تحقيقات وتقارير

التلفزيون العربي السوري.. أرشيف ذهبي وصوت للحق


الاعلام تايم - منار ديب


مساء الخير.. من هنا من على قمة قاسيون.. هنا دمشق.. مساء 23/تموز/ 1960.. هذه أولى الكلمات التي بثها أول إرسال تلفزيوني سوري منذ سبعة وخمسين عاما..


في عيده السابع والخمسين، جلّ ما نبتدي به في ميلاد أعرق محطة تلفزيونية في التاريخ العربي، هو تقديم  ألف تحية وتقدير لهذا التلفزيون الذي صمد بكل إمكانياته التي لا تضاهي التلفاز العالمي، تحية إلى تلفاز ولد من رحم قاسيون الشموخ والعزة إلى أن كبر وترعرع في أحضان أقدم ساحة في التاريخ- ساحة الامويين- ليواجه أعتى حرب إعلامية شرسة على سورية، وليقف في وجه الإرهاب الاعلامي الذي مورس ضده من قبل أكثر من 80  دولة عربية وعالمية أخذت من الإعلام والصورة أداة بشعة لتحاول تدمير الحجر والبشر والانسان السوري  الذي أثبت انه ينتمي الى جذور عميقة في الاصالة والانتماء العربي، ليفشل مخططات هذه الدول.


نعم إنها نتيجة حتمية لمحطة إرسال أدارها صباح القباني شقيق الشاعر نزار القباني مروراً بمدراء وخبرات عظيمة ادت إلى تطوره ووصوله إلى ما هو عليه الآن من إمكانيات ومهارات وخبرات صُدّرت لأغلب المحطات العربية والغربية.


في عام 1960 أقيمت أول محطة إرسال بقوة منخفضة لا تزيد عن 10 كيلو واط تبث بالأبيض والأسود استمر إرسالها ساعة ونصف فقط في اليوم الأول من داخل استديو أنشئ بجانب محطة الإرسال فوق قمة قاسيون وزادت ساعات الارسال بعد ذلك، حيث اعتمد التلفزيون العربي السوري في بداياته على عناصر فنية من الإذاعة السورية بعد إرسالها في دورات تدريبية قصيرة.


وتزامن تأسس التلفزيون العربي السوري مع التلفزيون المصري، في وقت لم تكن التقنية كما هي اليوم. وترأسه في البداية الدكتور صباح قباني مع إداريين وكادر فني مميز هم الرواد الأوائل في التلفزيون.
بدأ التلفزيون بالأسود والأبيض بمدة لا تتجاوز ساعتين كما لم يتجاوز مدى إرساله حدود مدينة دمشق.


وكانت الأعمال التلفزيونية السورية الأولى تعتمد على فصول تمثيلية وسهرات مسرحية تبث مباشرة على الهواء.


وقد قدم التلفزيون السوري الكثير من الأعمال القوية التي ما تزال في الذاكرة وسهرات ولقاءات مع كبار الفنانين السوريين والعرب وكوّن سجلاً موسوعياً من أهم التسجيلات السورية والعربية، وكان سباقا في العديد من البرامج على المستوى العربي.


وكان من الاوائل الذين ظهروا على شاشة التلفزيون السوري و تركوا بصمة وتأثيراً في الدراما العربية(نهاد قلعي - دريد لحام - رفيق سبيعي - محمود جبر).


العمل الدرامي الأول للتلفزيون كان تمثيلية الغريب 1960 وهي أول تمثيلية عرضها التلفزيون مباشرة على الهواء بسبب بساطة وبدائية وسائل توليف (مونتاج) الفيديو آنذاك، ويتناول العمل أحداث الثورة الجزائرية وبطولاتها وأمجادها. وكان من إخراج سليم قطايا وبطولة ثراء دبسي وياسر أبو الجبين وبسام لطفي.


تطور التلفزيون السوري بشكل كبير وصوّر وسجّل وأنتج مئات الأعمال والأفلام التسجيلية التي توثّق لمسيرة الفن والثقافة والأدب في سورية في كافة المراحل منذ افتتاحه، إضافة لأرشيف لكبار الفنانين والفنانات السوريين والعرب وأهم حفلات الفنانين في سورية والاحتفالات المختلفة.


عدد قليل من البيوت الدمشقية استقبلت التلفزيون، وكان عليها أن تدفع ضريبة استقدام أحدث جهاز للفرجة آنذاك، حيث أصبحت مقصدا للجيران والأقارب ولاسيما عند بث التمثيليات والمباريات الرياضية، وكانت "أمانة العاصمة" تقوم بوضع أجهزة تلفزيون أمام الحدائق العامة في المناسبات الوطنية ليشاهده أكبر عدد من الناس، وفي حي الميدان على سبيل المثال تم وضع جهازي تلفزيون أحدهما أمام حديقة الأندلس في المكان الذي يقوم عليه مبنى الإطفاء، والثاني أمام حديقة الثريا مقابل مدرسة عدنان المالكي، وقد وضع كل منهما على ثلاثة قوائم حديدية يبلغ ارتفاعها ثلاثة أمتار، وكان لزاما على المكلف به الصعود على سلم لتشغيله.


وفي العيد الأول للتلفزيون عام 1961 بث التلفزيون أخباراً واحتفالات مصر وسورية بذكرى ثورة 23 تموز في مصر وعرض أغنية السد العالي لعبد الحليم حافظ ثم أفلام من الرسوم المتحركة وفي عام 1962 جرى وضع تلفزيونات في الساحات العامة للمرة الثانية ولكن هذه المرة في 28 أيلول ذكرى الانفصال، وعرضت أيضا أخبار، ورسوم متحركة أجنبية مدبلجة بطلها الحرامي أبو ساطور.


وتنوعت الأعمال الدرامية القديمة بين الكوميديا والميلودراما والتاريخ، ومن الأعمال العالقة في الذاكرة تمثيلية (نهاية سكير) عام 1961 التي كتبها حكمت محسن وأخرجها نزار شرابي ومن التمثيليات الفكاهية تمثيلية (مجلة الهموم) في عام 1962 وكان بطلها فهد كعيكاتي (ابو فهمي).


وكانت البرامج الرياضية تستهوي عددا كبيرا من المشاهدين ومنها بطولات الملاكمة التي يخوضها محمد علي ومباريات كرة القدم، وفي عام 1966، تسارع الناس إلى بيوت الأقارب والأصدقاء لمشاهدة مباراة لقب المونديال لذلك العام وكانت البرازيل أحد الفريقين وشارك فيها اللاعب بيليه وأحرز الهدف الأول.. النهضة الكبرى للتلفزيون السوري حدثت ابتداء من النصف الثاني للسبعينيات.

 

أثبت التلفزيون العربي السوري جدارته على مدى أكثر من خمسين عام وارتفعت شعبيته مؤخرا رغم العوائق والتحديات، تحية الى التلفزيون العربي السوري (الشاشة الوطنية)، شاشة العرب الشرفاء.

 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=46785