وجهات نظر

بيع سندات المعارضة السورية في البورصة الدولية.. وترامب يطرح الأسهم الثورية للتداول

نارام سرغون


الاعلام تايم 


أبحث اليوم عن شيء لاوجود له .. إنه ليس حجرا كريما نادرا وليس قطعة من نيزك تائه أو نجما تصادفه الأرض في رحلتها الكونية .. لأن ماأبحث عنه ينتمي الى القواميس واللغات ومنتجات الكلام .. إنه كلمة واحدة تصف بدقة حال الثورة السورية وهي تخسر كل ماملكت من أحلام وآمال .. وتصف حال المعارضة وحال المشروع الاخواني .. لاتوجد كلمة واحدة في كل قواميس الدنيا وفي قواميس السياسة يمكن أن تصف حال هؤلاء الذين جاؤوا بالكون كله لينصرهم فصاروا قبلنا يدركون أن الثورة التي صنعها الجميع وكانت مشروعا مشتركا مثل الشركات والأسهم والسندات وصلت الى مرحلة يتقاسم الجميع أرباحها وخسائرها ..


صارت الأسهم الثورية المعارضة السورية تباع في سوق البورصة بشكل صامت هستيري حيث يسيطر على جميع المساهمين قلق المضاربين الذين يرون أن مشروعهم الثوري السوري يتراجع في أرباحه التي كانت تبشر منذ سنوات بقيام شرق أوسط جديد ودول جديدة ومراكز نفوذ تتكئ عليها الكتل السياسية والاقتصادية الكبرى ..


ولكن أكبر المساهمين في شركة الثورة السورية والذي يمتلك أسهمها الغالبة كان ترامب وإدارته التي ورثت مشروع وأسهم الثورة من أوباما ولكن المشروع خاسر وخرائطه مهترئة ولامستقبل له .. كما أن المضاربين الخليجيين صاروا في حال يرثى لها .. فهم مفلسون وفوق هذا الإفلاس يتراشقون باللوم في فشل المشروع السوري الذي انعكست الخسارات فيه على المساهمين بكل حاد ..


الأميركيون حاولوا جهدهم أن يحتفظوا بالثورة وان تبقى ماتسمى بالثورة السورية في سوق البورصة الدولية شركة غير خاسرة في السياسات الدولية ويمكن استعمالها في مضاربات السياسة مع روسيا والصين وايران كي يتم تداول سنداتها ومقايضتها بمواقف سياسية .. ولكن الحقيقة التي يدركها الجميع أن أرباح الثورة تراجعت وأن الإصرار على المضي في المضاربات لم يعد مجديا لأنه يأتي بالخسائر فقط منذ عام 2015 ..


واذا أردنا تبسيط الأمور فيمكننا أن نعترف أن مشروع الثورة كان في الأساس مشروعا تجاريا دوليا نهضت به قوى دولية في سبيل تغيير مركز الثقل الطاقوي في العالم .. وقد عرضت فيه على قوى المعارضة شيئا رمزيا هو السلطة مقابل التحكم بالقرار السياسي والاقتصادي والعسكري فوافقت قوى المعارضة السورية وقايضت السلطة بالاستقلال الوطني وباعت فيه الأرض في الجولان ولواء اسكندرون وطرحت نفسها مثل أسهم سياسية في بورصة السياسة لأنها اعتقدت أن العملية هي عملية تبادل مصالح وصفقات .. حيث تم تقاسم الأسهم بين الغرب وحلفائه .. فيما جاهرت دول الخليج المحتل بعمالتها للمشروع الصهيوني وباعت فلسطين والمسجد الأقصى مجانا مقابل أن تصبح عواصم النفط عواصم الشرق وقراراته ..


وكان لكل طرف حصته في شركة الثورة السورية المساهمة .. تركيا كانت حصتها على الأقل في السيطرة على شمال سورية لوصل ولايتي حلب والموصل تحت وصايتها وهما الولايتان اللتان تشكلان حلم تركيا العثمانية الأول لاطلاق المشروع العثماني الكبير في الشرق بعد هذه المرحلة .. أما الغرب فان غايته كانت في إيصال انابيب الغاز والنفط عبر سورية لعزل الغاز الروسي .. وكذلك من أجل انهاء الخطر الكامن في الشمال على إسرائيل ..


ولكن المساهمين في سوق الأسهم الثورية انتظروا كثيرا وككل مشروع يتعثر في الانطلاق ويتراجع في الارباح والمكاسب يمكن للمضاربين ان ينتظروا بعض الوقت ويكمنوا بانتظار تغير مزاج السوق والزبائن الى أن يسيطر اليأس على الزبائن والمضاربين فعندها يسري مزاج التعب والملل ويبدأ البيع وتسري حمى القلق من استمرار البيع وانخفاض أسعار الأسهم ..


الأتراك وجدوا أثناء الانتظار أن هناك شركة مساهمة أخرى تنطلق في بورصة الشرق الأوسط التي تراجعت فيها اسهم الثورة السورية التي اشترت تركيا كثيرا من سنداتها الخاسرة .. والشركة الناهضة الجديدة هي سوق الأسهم الكردية التي بدأت في طرح أسهمها على المكتتبين الأمريكيين والأوروبيين والإسرائيليين .. ولذلك قرر الأتراك التخلص بصمت من سنداتهم في الثورة السورية مقابل أن يساعدهم المضارب الروسي في اسقاط الأسهم الكردية .. وهنا نلاحظ أن الأتراك يدركون جدا أن الأسهم الكردية ستنهار اذا ماخرج الأميريكون من المنطقة الشرقية السورية .. فطرح الأتراك أنفسهم كبدائل للقتال مع داعش والحلول محل الأمريكان لكن الأكراد اعترضوا بشدة .. كما أن الأمريكان يريدون البقاء بحجة التعاقد والتخادم المتبادل مع الكيان الكردي ككيان موثوق .. فجعل الأتراك يسربون عمدا أخبار مواقع وتوزع القوات والقواعد الأمريكية وكأنه اعلان لكل معارضي الوجود الاميريكي لاستهداف هذه القواعد بهجمات عنيفة لارغام الاميريكيين على الانسحاب وترك الأكراد من غير ظهير .. ولكن السوريين والروس والإيرانيين يعلمون بمواقع القواعد الامريكية بالتفاصيل المملة وبالسنتميتر ولايحتاجون الدليل التركي .. الا أن الكشف عنها من قبل الاتراك جعل الأمريكيين لايستبعدون أن يكون هذا الكشف هو رسالة إنذار قاسية وإن كانت رعناء مجوفة .. بل أن يكون مقدمة لأن يلجأ الأتراك لدعم عمليات استخبارية عنيفة ضدهم في تلك القواعد في سورية وهم يستغلون ميزة هامة حيث أن قائمة المتهمين بأي عمليات عنف ضد الامريكيين كبيرة جدا وتضم السوريين والإيرانيين والعراقيين من الحشد الشعبي وخلايا غير منضبطة من القاعدة وغيرهم ..ولن يمانع السوريون في الثناء أو المشاركة في ضرب الوجود الامريكي من أية جهة .. ولذلك فان السندات الكردية ستنهار بمجرد قيام عمليات عنيفة ضد الوجود الأمريكي الذين قد يغادرون بسرعة اذا وجدوا أن خسائرهم في الشرق السوري لاتستحق المجازفة .. فكما غادروا العراق سيغادرون سورية ..


وكنتيجة لهذه المعادلة فان التقسيم صار مستحيلا لأن هذا يعني نهوض قيام كردي وهو مايثير رعب تركيا التي نقل لي مسؤول رفيع أن الأتراك يفاوضون الروس على تدمير الكيان الكردي مقابل أي شيء تطلبه روسيا .. والروس مع القيادة السورية صاروا يرون أن ادلب توضع على الطاولة وبدأت عملية تجهيز ادلب باسقاط المنظمات المتشعبة الإسلامية لتسليمها .. وهذا ماقد يعني أن معركة ادلب قد لاتخاض لأن تركيا ستسلم المحافظة دون قتال عبر تسوية كبرى اذا ضمنت تعاون سورية وروسيا في اسقاط (السندات الكردية ) واحراقها ..


الإسرائيليون كانت لديهم في سوق الأسهم المعارضة السورية ورقة الرهان على الاتفاق مع الإسلاميين في أخذ سورية نحو الحرب المذهبية ضد ايران حيث يدير السوريون الجدد ظهورهم لإسرائيل وينظرون شرقا نحو بلاد فارس .. ولكن اليوم لم يعد الإسرائيليون يريدون من كل سندات الثورة الا حزاما أمنيا ضيقا في الجنوب أو أي هدنة تلزم حزب الله بالابتعاد عن الجولان مؤقتا .. لأن الثورة ضعفت ولم تعد قادرة على تنفيذ تعهداتها للاسرائيليين وبالتالي تراجعت قيمة السندات الثورية في إسرائيل .. وسيبدأ عرضها للبيع قريبا بعدأن صارت تتسرب تقارير عن ان اسرائيل متهمة بدعم الجمعات الارهابية وهي طريقة وحيلة للتملص وفك الارتباط معها استعدادا للحصول على ووعد بابعاد حزب الله عن الجولان .. لايريد الاسرائيلي وحليفه الأمريكي من كل مابقي من أسهم الثورة الا أن يبيعها في الجنوب على شكل اسهم تهدئة لإسرائيل .. وبالرغم من أن الاميريكيين أعلنوا عبر الواشنطن بوست ان ترامب قد أوقف برنامج تسليح المعارضة السورية الا أن الحقيقة هي أن هذا الخبر ليس هو الحقيقة لأنه لايوثق بتسريبات الامريكان ونواياهم لكنه حتما هو إعلان عرض لبيع السندات الثورية السورية .. ومفاده هو أن الاميركيين صاروا جاهزين للبيع والعرض هو التخلي عن المعارضة .. ولكنهم ينتظرون الثمن المعروض ..


المعارضة التي باعت الوطن بثمن بخس كأسهم لشركة سياسية وباعت كل ماتملك دون أدنى تفكير وجدت نفسها اليوم تباع في جو من القلق بين التجار الغربيين وشركاء الأمس في جو من النزق والأرق .. ولكن مايقلق المستثمرين هو أن لاأحد يريد شراء هذه الأسهم الخاسرة .. فمن سيشتري معارضة خسرت كل أوراقها ومعاركها وهي تنتمي الى عدة شركات دولية تريد التخلص من تحمل الخسائر السياسية بدليل تحول ماكرون نحو الدولة السورية وشروطها؟؟


منذ بدأت هذه الحرب علينا يتلفت الانسان منا حوله فلا يدري أين هو الحدث الأهم .. منذ سنوات كنا لاندري أين هو الحدث كمن يحاصره الحريق فلايعرف من أين تأتي النار .. وكمن تحاصره الرماح فلايدري أين سيتوقع جسده وخز الرماح وانفتاق الجراح وأي بقعة من جسده ستنزف .. 


و ياسبحان الله وصلنا اليوم الى زمن مغاير حيث لاندري فيه أين هو الحدث الجميل الأهم كمن حاصره ماء الينابيع أو ماء المطر والفيضان فلا يدري من أين يشرب ..أهو بيع المعارضة أم هو بيع الأسهم الكردية في أسواق تركيا ؟؟ أم بيع الاخوان المسلمين في أسواق الخليج أم بيع المعارضة في تل ابيب وفي أسواق واشنطن ولندن وباريس؟؟؟..


إن فيضان النار في السنوات الماضية لم يحرق لنا قلبا يفيض بالماء .. كانت أعاصير النار حولنا ولكن في قلوبنا أعاصير الوطن وماء وطننا فهل يحترق قلب بالنار اذا ملأه ماء الوطن الذي سكب من جبال الساحل ونهر العاصي ومن بردى ونهر الفرات؟؟ ..


هذه القلوب هي سنداتنا التي لاتباع في أي بورصة في العالم .. ولاتشتريها أموال الدنيا .. ولانعطيها الا لمن نحب .. ولمن يحبنا ..

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=46763