وجهات نظر

الأقصى يستباح.. والعرب بين التطبيع والتخاذل

ذوالفقار ضاهر


الإعلام تايم - المنار

 

تتواصل الممارسات الاسرائيلية التعسفية في مدينة القدس المحتلة وبالتحديد في محيط المسجد الأقصى، عبر زيادة الاجراءات الرقابة والتفتيش الاستفزازية وتركيب بوابات الكترونية في تضييق واضح على زوار المسجد المبارك، بما يشكل انتهاكاً لحقهم في ممارسة شعائرهم الدينية التي تكفلها كل الأديان السماوية والقوانين والأعراف الدولية وسعياً لتقسيم العدو ، وهذه العدوانية الاسرائيلية ليست جديدة ولا مستغربة على عدو صهيوني قتل ما قتل وارتكب ما ارتكب من جرائم على مدى عشرات السنوات بحق الشعب الفلسطيني وباقي الشعوب العربية في الدول المجاورة.

لكن اللافت هنا ليس العدوانية الاسرائيلية بقدر ما هو التخاذل العربي لا سيما على صعيد الأنظمة التي بعضها لا يتوانى عن الهرولة خلف العدو سعياً وراء فتح قنوات الاتصال أو تطبيع العلاقات أو حتى نيل الرضى كمقدمة لنيل مباركة "السيد الاميركي"، والحقيقة أن البعض لا يستغرب المواقف العدائية لبعض الأنظمة ضد الشعوب والحركات المقاومة إلا أن المستغرب هذا الابتعاد عن القضية المركزية للأمة والتخلي عن المقدسات بكل ما فيها من معانٍ وقيم دينية وأخلاقية وتاريخية حيث تعتبر جزءاً لا يتجزأ من التراث الاسلامي في القدس وفلسطين، فلماذا هذا الترك للمسجد الاقصى بهذا الشكل؟ وهل المسجد الاقصى لا يستحق التحرك ولو الشكلي من قبل هذه الأنظمة؟

العدوانية الاسرائيلية والأداء العربي..

وأين الانظمة العربية والاسلامية التي تزعم أنها "السيدة والقائدة" للأمة ولغيرها من الأنظمة التابعة هنا وهناك؟ وعلى رأس هذه الأنظمة التي تعتبر نفسها في موقع القيادة النظام القائم في السعودية، فما سر هذا الأداء السعودي بالتحديد حول كل ما يجري في فلسطين بشكل عام وما يجري اليوم في الأقصى والقدس بشكل خاص؟ أليس من الواجب على القيادة السعودية التحرك في هذا المجال ورفع الصوت عالياً لوقف الانتهاكات الاسرائيلية بحق الأقصى وكل المقدسات؟ أليس صدور مواقف من السعودية وتحركها على الأرض ضد العدو الاسرائيلي يدحض بشكل أو بآخر كل الاتهامات التي توجه للسلطة السعودية بفتح علاقات مع الصهاينة سراً وفي الكواليس؟

هل سكوت السعودية وصمت حكامها ينفعها أكثر أم أنه يساعد في تثبيت التهم عليها بأنها إما متواطئة أو بالحد الأدنى لا تجرؤ على الوقوف بوجه "اسرائيل" العدو الأول للأمة؟ وكيف يمكن تفسير هذا الصمت المريب من قبل السلطة السياسية والدينية في المملكة السعودية؟ هل هو دليل عافية أم أنه مؤشر خطر على أداء سلبي ممن يتوجب عليهم إظهار حد أدنى ولو شكلياً من الدفاع عن حقوق الأمة ومقدساتها؟ لماذا تتعمد المملكة السعودية الى تجاهل هذا الرأي العام العربي والاسلامي؟ ولماذا لا تعمد الى تهيئة الشارع وتوعيته لحقيقة ما يجري في فلسطين؟ أليس هذا الأداء يؤكد أن الهدف هو سحب القضية الفلسطينية من التداول وكذلك الأخبار المتداولة عن الصراع والخلافات والاشتباك والمقاومة ضد المحتل الصهيوني؟

 

بين العلاقات مع العدو والقضية الفلسطينية..

ومن الجدير الاشارة لما نقلته وكالة “بلومبيرغ” الاقتصادية الأميركية قبل أيام من ان "عدد الشركات الإسرائيلية التي باتت تعمل في السوق السعودية والخليجية في تزايد إلا أن معظمها يخفي أصولها"، وذكرت الوكالة نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن "أكثر المنتجات الاسرائيلية رواجاً هي المتعلقة بمجال الدفاع الإلكتروني والتكنولوجيا الزراعية وتحلية المياه".

كما نقلت الوكالة عن وزير الاتصالات الصهيوني أيوب قرا تأكيده أن "العلاقات التجارية بين إسرائيل ودول خليجية ستتعمق حتى ولو انهارت جهود السلام"، مشيراً الى أن "علاقات إسرائيل مع الدول العربية لا يمكن أن تبقى رهينة القضية الفلسطينية"، على حد قوله.

من جهته، كشف وزير حرب العدو الإسرائيلي السابق موشي يعالون أن "تل أبيب تحاول دائماً التمسك بأوراق استراتيجية وسياسية مهمة تقوم من خلالها على ضبط الإيقاع في منطقة الشرق الأوسط"، وأشار الى "التنسيق والتعاون مع الدول العربية المعتدلة على قدم وساق وخصوصاً مع السعودية"، وتابع "نحن نحاول أن نساعد بعضنا البعض في المنطقة المليئة بالأزمات"، واعتبر أن "المفاوضات السرية بين إسرائيل والسعودية مهمة للطرفين فالسعودية من جهتها تجد أن التنسيق والاتصال السري هو أكثر إنتاجاً ويلحق أضراراً أقل للسعودية نفسها".

أين الشعوب العربية؟

والغريب هنا أن الملاحظات السلبية على الأداء العربي حول ما يجري في الأقصى لا تقتصر فقط على الأنظمة بل تتعداها الى الشعوب العربية والاسلامية -سواء في السعودية وغيرها من دول الخليج-، حتى أن العديد من الدول(شعوباً وأنظمة) باتت تنتظر الإشارات السعودية في هذا المجال حتى تتفعل التحركات السياسية الاعلامية والشعبية فيها، وهنا الفارق بين هذه الأجيال المختلفة لا سيما فئة الشباب في كثير من دول العالمين العربي والاسلامي وبين الجيل الشاب في فلسطين، فالشباب الفلسطيني ما زال يحمل قضيته بأمانة ويزداد توهجاً وتوقداً دفاعاً عن القدس والمسجد الأقصى بينما نرى الشباب الخليجي والعربي يهتم ببرامج الحياة الغربية والأميركية متخلياً عن كثير من مبادئ وقيم الدين والأخلاق.

الدول المقاطعة لقطر والأنظمة والشعوب العربية والاسلامية وبالتحديد في الخليج وبالأخص في السعودية باتوا ينجرفون أكثر فأكثر نحو الخصومات مع الجيران والإخوة والانغماس بشكل أعمق في خلق حروب وأزمات تبعدهم وتلهيهم عن العدو الحقيقي وتشغلهم عن الازمة الحقيقية التي تتسبب بكل الازمات الأخرى، الا وهي القضية الفلسطينية وإقامة الكيان الصهيوني الذي تسبب بكل مشاكل وأزمات المنطقة منذ عشرات السنين وحتى اليوم.

 

بعد كل ذلك لا يكفي صدور بعض البيانات المستنكرة لممارسات الاحتلال الاسرائيلي من قبل بعض الأنظمة والحكومات بينما في الواقع هم لا يحركون ساكناً للضغط على العدو أو مقاطعته رغم أن الوسائل الممكنة لذلك اكثر من أن تعد أو تحصى.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=46733