وجهات نظر

باختصار : القيادة والمسؤولية

زهير ماجد


الإعلام تايم -الوطن العمانية

 

كان الشاعر العراقي بلند الحريري يردد بمناسبة وبدون مناسبة لو أن هنالك آلة يمكنها إلغاء ما في رأسي .. لكثرة ما يعرف المرء يتمنى ممحاة تريحه من زوائد كثيرة، ولهذا كان الشاعر الجواهري يقول بأن ذاكرته تتعبه. ترى ماذا يفعل مسؤول كبير كالرئيس بشار الأسد على سبيل المثال وهو على مدار الساعة محاصر بالمعلومات والمفاجآت والأخبار المزعجة وتلك الجيدة، كل التناقضات على مائدته يومياً.

 

صحيح أن هنالك مؤسسات ترفع الضغوطات عن كاهل الرئيس، لكنه يجب أن يعرف كل شيء، أجل كل شيء، عسكرياً ومؤسساتياً واجتماعياً واقتصادياً ومالياً ونفسياً وكل ما يمت بصلة اليه كمسؤول أول وأساسي. من هنا نعرف لماذا يصاب المسؤولون الجديون بالأمراض، ولماذا يموت بعضهم بشكل مبكر. المسؤولية متعبة، يظن الناس أن الجلوس على كرسي القيادة أمر عظيم ، فلماذا تتصارع الأحزاب من أجل السلطة، الديمقراطية خرافة أحياناً، بل هي اسوأ الحلول الجيدة كما يقول تشرشل. ولماذا الانقلابات العسكرية التي ضربت بلادا وتضرب، فعلها مرة الجنرال السوداني سوار الذهب حين صنع انقلاباً في بلاده ثم تنحى عن السلطة في اليوم الثاني فكان رمزاً للتعفف السلطوي.

 

اعتقد ان اوضاع المنطقة اليوم تحتاج لقيادات سوبر وليست عادية، بل موهوبة ومجربة وقادمة من تاريخ مجبول بالقيادة. رغم تاريخية القذافي في الحكم، الا أنه سقط في مواجهة لعبة أمم قاسية وعنيفة. لعل الرئيس السوري الأسد تعرض الى أقسى من ذلك ، لكن القواعد التي واجه بها جاءت مختلفة ومستفيدة أيضاً مما مر مع القذافي وغيره.

 

بالأمس أعلن رئيس وزراء العراق حيدر العبادي تحرير الموصل بصفته أيضاً قائداً عاماً للقوات المسلحة بكل أشكالها. القيادة هنا أول من يتم إعلامها عن الانجازات دقيقة بدقيقة، وخصوصا في مسألة التسليح والسلاح، والقيادة هنا وإن كان شقها عسكري، الا أنها تخضع لترتيبات القادة العسكريين الذين هم مسؤولون أيضاً عن المعارك والخطط والحاجات الدائمة التي يقال أن ايران لم تتوقف عن تقديم شتى أنواع السلاح الذي احتاجته القوات العراقية في حرب الموصل.

 

ولأنه كان قائداً عاماً للقوات المسلحة المصرية إضافة الى رئاسة الجمهورية، فقد قدم عبد الناصر استقالته إثر هزيمة يونيو 1967 متحملاً مسؤوليتها كاملة .. أما هتلر مثلاً فوصلت به الهزيمة المدوية الى الانتحار الذي كان حلا لمسؤوليته عما صارت اليه الحرب العالمية الثانية.

 

من هنا أهمية قراءة مذكرات القادة الكبار الذين صنعوا تاريخاً وأحداثاً أو صنعتهم الأحداث. كان العلامة اللبناني محمد حسين فضل الله كثيرا ما ردد على مسامع زائريه من السياسيين اهمية كتابة مذكرات كل من عمل في الحقل العام أي كانت له صولة وجولة في العمل السياسي وفي العلاقات مع الناس. فالتاريخ برأيه يؤخذ من تلك الاعترافات في الكتب التي تقدم المسؤول على حقيقته في مواجهة شتى الأحداث مهما كان نوعها.

 

فماذا سيكون عليه مذكرات الرئيس بشار الأسد مثلاً، مع أننا فقدنا حتى الآن العديد من مذكرات كبار في عالمنا من أمثال عبد الناصر وياسر عرفات وهواري بومدين والقذافي وصدام حسين وغيرهم. وهؤلاء ومثلهم لو كتبوا الحقيقة لتركوا اسئلة هائلة في حياتنا الآن، بل ربما أدوا الى تغيير أفكار وربما الى حركات شعبية.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=46550