وجهات نظر

حرب السعودية ضد "الإعلام"و ليست ضد "الإرهاب".. و كامب ديفيد الى التطبيق رسميا

عبد الباري عطوان


الاعلام تايم _ رأي اليوم

التحالف بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية وليس التطبيع فقط، هو عنوان المرحلة المقبلة والوشيكة، والحرب الحالية ليست حربا على الإرهاب، وانما على "الاعلام الحر" الذي يمكن أن يتصدى الى هذه الخطوة ويكشف مراميها، وكل ما يتفرع عنها من خطوات أخرى، ولذلك فان المطالبة بإغلاق قناة"الجزيرة" هو العنوان والذريعة لا أكثر ولا أقل.


ما ورد في مقابلة اللواء أنور عشقي الخطيرة مع قناة "دوتشيه فيلة" الألمانية يوم أمس، يفسر الكثير من الأمور التي غابت عن ذهن الكثيرين، وأبرزها، هذا الإصرار على نقل السيادة على جزيرتي "تيران" و"صنافير" الى المملكة العربية السعودية وفي أسرع وقت ممكن.


اللواء عشقي أكد في المقابلة "أن السعودية بعد تسلمها السيادة على الجزيرتين ستتعامل مع اتفاقية كامب ديفيد التي لم تعد اتفاقية مصرية إسرائيلية"، وعزلت مصر عن العالم العربي والقضية الفلسطينية، وأدت الى فتح سفارة إسرائيلية في قلب القاهرة.


وأضاف اللواء عشقي، عراب التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، "أن اتفاق ترسيم الحدود جعل الجزيرتين داخل حدود المملكة، ومصر والسعودية ستشتركان في السيطرة على الممر البحري الذي تمر منه السفن الإسرائيلية، والمملكة ستنسج علاقة مع إسرائيل".


صحيح أن اللواء عشقي قال إن تطبيع المملكة مع إسرائيل سيأتي بعد قبول الأخيرة بمبادرة السلام العربية، ولكنه تحدث في الوقت نفسه عن مبادرة سلام إسرائيلية "تجبّ" هذه المبادرة، ومن أبرز بنودها، على حد قوله، قيام كونفدرالية تربط الأراضي المحتلة، دون أن يحدد بمن، وتأجيل البحث في قضية القدس.


اللواء عشقي أكد في المقابلة نفسها، واعذرونا عن نقل الكثير من فقراتها، أكد ما قاله بنيامين نتنياهو أكثر من مرة، وهو أن المملكة العربية السعودية لا تعتبر إسرائيل عدوا عندما قال، أي اللواء عشقي، "لو نظرنا الى تغريدات وتعليقات أبناء الشعب السعودي على وسائل التواصل الاجتماعي نجد انهم يقولون إن إسرائيل لم ترتكب عدوانا واحدا على المملكة العربية السعودية أي أنها ليست عدوا"، وأشار الى أنهم مع التطبيع معها.


اللواء عشقي ليس صانع سياسات، وإنما يقول ويروج لما يملى عليه، وهو الذي اختير بعناية لهذه المهمة، واذا أردنا فهم أقواله هذه، والاهداف التي يتطلع الى تحقيقها، وملامح مخطط التطبيع الجديد والمتسارع، ما علينا الا أن نقرأ تصريحات افيغدور ليبرمان، وزير الامن الإسرائيلي الحالي، والتي قال فيها "إن التطبيع بين العرب وإسرائيل يجب أن يتم أولا، ثم يتبعه سلام فلسطيني إسرائيلي، لأننا لا نقبل وضعا يكون فيه التطبيع مع الدول العربية رهينة لحل القضية الفلسطينية، فإسرائيل وقعت اتفاقات سلام مع مصر والأردن دون إنهاء الصراع الفلسطيني".


اللواء كمال عامر رئيس لجنة الدفاع والامن القومي بمجلس الشعب المصري أكد "أن تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية يقضي بتطبيقها اتفاقات كامب ديفيد من قبلها وكل ما يترتب على ذلك من التزامات".


ما يمكن أن نستخلصه من كل ما تقدم، أن التسريع بإعادة الجزيرتين للسيادة السعودية الهدف الرئيسي منه تسريع التطبيع و"تشريع" التحالف بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، فالسعودية تملك عشرات الآلاف من الجزر في البحر الأحمر والخليج العربي لا تعرف عددها، وليست بحاجة الى جزيرتين صخريتين، وغير مأهولتين، وحتى لو كانت بحاجة اليهما، فقد عاشت بدونهما أكثر من 50 عاما، سواء عندما كانت تحت الاحتلال الإسرائيلي، أو تحت الحماية المصرية، ويمكن أن تنتظر، لو أرادت، تأجيل هذه القضية الشائكة عشر أو عشرين أو مئة عام أخرى، لتجنب إحراج الحكومة وغضب الشعب المصري الشقيق معا.


عمليات التمهيد للتطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بدأت وبشكل متسارع من قبل الحكومة السعودية، فبعد زيارات اللواء عشقي "الاكاديمية"، والأمير تركي الفيصل الأمنية، بدأنا نشاهد ظهور "محللين" سعوديين على القنوات التلفزيونية الإسرائيلية، وربما تكون الخطوة المقبلة ظهور وزراء وأمراء.


السعوديون الذين قال اللواء عشقي إنهم يغردون بدعمهم لصداقة إسرائيل، لأنها لم تعتد على بلادهم، ويؤيدون التطبيع معها، هؤلاء جنود الجيش الالكتروني السعودي الذي يقدر بالآلاف، ويعمل تحت خيمة المخابرات والمباحث، فالشعب السعودي في غالبيته الساحقة يعارض كل أشكال التطبيع مع دولة الاحتلال من منطلقات دينية وعربية ووطنية وأخلاقية، ولا يخامرنا أدنى شك في ذلك، ولكن اذا كانت تغريدة واحدة تبدي تعاطفا مع دولة قطر، أو تنتقد "رؤية 2030" تكلف صاحبها السجن 15 عاما، وغرامة ربع مليون دولار، فإننا نفهم الحرب الحالية مع الاعلام الموضوعي والحر الذي ينحاز الى الحد الأدنى من الحريات.


الأمير محمد بن سلمان الذي يقود مسيرة التطبيع والتحالف مع دولة الاحتلال الإسرائيلي زار القدس المحتلة عام 2015، مثلما أكدت صحيفة "هآرتس" وقنوات تلفزيونية إسرائيلية أخرى، ويعقد لقاءات دورية مع المسؤولين الإسرائيليين، كان آخرها على هامش القمة العربية الأخيرة في عمان.


توماس فريدمان، الصحافي الأمريكي الذي أكد أن حكومة بلاده أخطأت عندما قصفت العراق واحتلته كرد على هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وكان عليها أن تهاجم المملكة منبع الإرهاب الحقيقي، وكوفئ على موقفه هذا، بزيارة الرياض بدعوة من حكومتها قبل عام، والتقى معظم المسؤولين فيها، أكد بالصوت والصورة (موقع صحيفة نيويورك تايمز) أنه اجتمع خمس ساعات مع الأمير محمد بن سلمان، ولم يذكر الأمير كلمة فلسطين، أو الصراع العربي الإسرائيلي مطلقا طوال هذا اللقاء، وأتحدى أن يقدم لنا أي أحد تسجيلا للامير بن سلمان ذكر فيه كلمة فلسطين في جميع لقاءاته المتلفزة.


ندرك جيدا أننا تعرضنا ونتعرض لهجمة شرسة من قبل الجيش الالكتروني السعودي، وبعض أدواته، مثلما ندرك أننا كنا وما زلنا هدفا للحرب السعودية ضد الاعلام، ونتعرض لعملية تشويه شرسة ومتعمدة، لن ترهبنا مطلقا.. وستزيدنا تحديا وانحيازا لقيم أمتنا وعقديتنا، ولكننا ندرك أيضا أن الجبان يموت مئة مرة، والحر الشجاع يموت مرة واحدة… ونقطة دم شهيدة أو شهيد تسقط من أجل الدفاع عن هذه الامة وكرامتها، أغلى وأشرف من مئات، إن لم يكن آلاف المقالات.. والحياة وقفة عز في نهاية المطاف.. ومن يضحك أخيراً يضحك كثيرا.. والأيام بيننا.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=46281