وجهات نظر

الذرائع الاستباقية..!!

علي قاسم


الإعلام تايم - صحيفة الثورة

 

لم تكن أميركا تنتظر الذرائع لممارسة عربدتها وعدوانها، بل غالباً كانت تنفذه وتبحث لاحقاً في الذرائع أو بالتوازي معه، لكنها هذه المرة تذهب بعيداً في إطلاق تلك الذرائع وتقرّ بلسان مسؤوليها،وفي مقدمتهم الرئيس ترامب نفسه، أنها جاءت بناء على نيات تفترض وجودها في توقيت لا يخفى على أحد ما يحمله هذا الافتراض من فبركة فاضحة، وما يعكسه من عجز عن إيجاد أي دليل مادي أو حسي يمكن الاتكاء عليه، خصوصاً مع الأحاديث الإعلامية المسربة من داخل أروقة الاستخبارات الأميركية عن أن ترامب نفذ عدوانه على مطار الشعيرات من دون توافر أي أدلة..!!‏

الواضح أن الإدارة الأميركية بدأت حرب ذرائع استباقية تحاول من خلالها مداراة الكثير من جوانب العجز والفشل في استراتيجيتها المحكومة بالأخطاء المتعمدة، والتي تشير إلى أن الكثير من رهاناتها قد وصلت إلى طريقها المحتوم، فيما تعويلها على الأدوات، سواء الإقليمية أم تلك التي استرزقت على وجود العدوان الأميركي، تواجه المصير ذاته، إن لم يكن أسوأ، في وقت تواجه التنظيمات الإرهابية حالة من التشتت التنظيمي بعد الهزائم الكبيرة التي منيت بها، مضافاً إليها انفراط عقد الدول الوظيفية المشغلة أو الداعمة والممولة لهم، على خلفية مشهد التناحر المتدحرج.‏

لكن ذلك لا يكفي لتفسير كل ما يصدر عن الإدارة الأميركية، سواء تعلق بذرائعها الاستباقية أم ارتبط بالسلوك الأميركي ذاته القائم على العدوان من جهة وتقويض الشرعية الدولية من جهة ثانية، حيث يقف عامل التوقيت كمؤشر لا يمكن تجاهله أو تجاوزه، وخصوصاً حين يسبقه تصعيد إسرائيلي، والذي وصل وفق استنتاجات مراكز القرار الأميركي إلى طريق مسدود، فكان خيار البحث عن ذريعة تعوض جزءاً من المشهد وتقدم التبرير لانخراط أميركي أكثر وضوحاً في العدوان، ينقله من الوكالة بتعدد نماذجه إلى الأصالة بمختلف مستوياته.‏

وهذا ما يتقاطع مع التسريبات القادمة من داخل الإدارة الأميركية حول تلك البدائل والخيارات المتاحة نتيجة الفشل في التعويل على الخطوط الحمر التي رسمتها، والتي كانت تتداعى تباعاً مع إنجازات الجيش العربي السوري وحلفائه، وترتسم علائم العجز مع تدحرج الانهيارات المتلاحقة في صفوف التنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتها داعش والنصرة، حيث جاء الحديث الروسي الواضح بأن أميركا تدافع عن النصرة وتمنع استهدافها مروراً بدفاع واشنطن المستميت عن داعش عبر اعتداءات متتالية كانت خطوطها العريضة تترجم النجدة الأميركية للتنظيمات الإرهابية.‏

عند هذه النقطة تتوازى المؤشرات السياسية والعسكرية وتتلاقى في نهاية المطاف أمام الحديث الأميركي عن النيات والتعاطي معها على أنها وقائع تحاول من خلالها تبرير عدوان قادم تعد له العدة، ولا ينفع نفي العسكريين الأميركيين علمهم به في شيء، بدليل أن العدوان السابق على الشعيرات والذي فشل في تحقيق أي من أجنداته وأهدافه كان يسير على المنحى ذاته.‏

الفارق أن “خان شيخون” تمت فبركته مسبقاً وتم التحضير الإعلامي المستنسخ من تجربة القنوات الشريكة بسفك الدم السوري، فيما الافتراض الأميركي يفتقد لخدماتها بعد أن انشغلت بتأجيج الصدع بين المشيخات والبحث عن الفضائح المتبقية خلف ستار الحرب القائمة، والأهم أنه يأتي بعد العجز عن توفير الذرائع الحسية والمادية، وهو يؤشر إلى مخاطر حديث الرئيس الأميركي وتلويحه بكذبة الكيماوي، لتطل بشكل مقلوب، حيث ذيلها يسبق الرأس الأميركية الباحثة عن ذرائع عدوان لا تكتفي بنجدة الإرهابيين عسكرياً، بل أيضاً بنجدة ممثليهم إلى محادثات آستنة ومن بعدها جنيف، وتوفير الغطاء السياسي والعسكري لتبرير عجزهم أو عدم حضورهم في الحد الأدنى.‏

في المحصلة.. فإن النفخ الأميركي في قربة الكيماوي، سواء كان لتبرير عدوان جديد أم لممارسة الابتزاز السياسي لن يجدي، والمتاجرة الرخيصة بأكاذيب وفبركات فشلت في الماضي لن تغير واقع الحال أو تعدل في المعادلة القائمة، وما عجزت عنه أميركا في اعتداءاتها السابقة لن تحققه بأي اعتداءات قادمة، سواء كانت بذرائع استباقية أم جاءت من دونها، وسواء كانت لنجدة إرهابييها أم لحفظ ماء وجه مرتزقتها ومن يمثلهم.‏

فإرادة السوريين وحلفائهم في مواصلة حربهم ضد الإرهاب لن تتوقف حتى تنجز مهمتها، واجتثاث الإرهاب سيبقى عملاً يومياً مستمراً لا تؤثر فيه عربدة هنا أو عنجهية هناك.. وقد أخذت سورية وجيشها وشعبها علماً بذلك، بدءاً من الدعم الأميركي للإرهابيين.. مروراً بالاعتداءات الإسرائيلية لنجدتهم، وصولاً إلى التلويح بالعدوان أو الترويج لاستهدافات أميركية تخطط لها إدارة ترامب، وليس انتهاء بحلقة التصعيد الإرهابي المترابطة في مختلف جبهات المواجهة..!!‏

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=46267