تحقيقات وتقارير

"لا" بين التأثير والتدبير


الاعلام تايم _ خيرية أحمد


"المشكلة في معظم الناس أنهم يفكرون بأمنياتهم أو بمخاوفهم بدلاً من أن يفكروا بعقولهم" مقولة للكاتب الأمريكي ويل ديورانت تشخص حال الكثير من الناس الذين يستصعبون قول "لا" أو ينطقون بها ومن ثم يصبحون ضحية تحمل أنانية وأعباء الآخرين.


التواصل الاجتماعي حاجة تقدم لنا الدعم والمحبة وتعزيز الثقة بالنفس واحترام الذات والشعور بالانتماء، مع ذلك، فإن هذه الحاجة يمكن أن تكون لها آثار سلبية إذا لم تتم بطريقتها المناسبة، البعيدة عن الأنانية، كما يحدث عندما نستجيب لنداء صديق أو قريب أو طلبات في العمل ليست من مهمتنا، ونجيب بـ "نعم" دون التفكير بكم الضغط الذي ستسببه هذه الإجابة.


"لا" صغيرة في لفظها وكتابتها، لكنّها كبيرة في معناها ومغزاها، التي قد تجعلنا ندير وقتنا بشكل سليم بمعرفة الأولويات والأهداف وما يجب فعله خلال اليوم والأسبوع والشهر حتى السنة والسنين المقبلة، وذلك دون ضغوط وباسترخاء يعبر عن قوة الشخصية والقيادة ومدى احترام الذات للوصول إلى النجاح والراحة النفسية والاجتماعية.


نتساءل من أين تأتي هذه العادة، ولماذا نشعر بالصعوبة في قول "لا"، دراسات حديثة في علم النفس أكدت أن الطفل في عمر السنتين أو الثلاثة يبدأ باكتشاف العالم ويحاول التّعبير عن ذاته وعن استقلاليّته فيخالف سلطة والديه، ويحدث أنّ الوالدين قد يقومان بردّة فعل خاطئة يلجؤون خلالها إلى أسلوب الابتزاز العاطفي: "إذا واصلت قول لا فسنتوقّف عن حبّك." تبعاً لذلك يتكوّن في ذهن الطّفل الصراع بين التعبير عن الاختلاف وفقدان الحب يجعل الفرد غير قادر على قول "لا" في المراحل المقبلة، أو أنه يقلدهم عندما يقولون له "لا تلمس" " لا تفعل " "لا ترفع صوتك" لا...لا ... لا ".


"خالف تعرف" النابعة من التفكير السلبي، والأساليب الخاطئة المتعبة في التربية والمجتمع والمؤسسات التعليمية، والابتعاد عن التفكير النقدي، والخجل، والتعود، والخوف على المستقبل، النظر إلى الآثار السلبية، قبول ورضا الناس، عدم جرح مشاعر الآخر، خسران من نحب، الشعور بالذنب، الشعور بالخطر، الحماية" جميعا أسباب تكرس هذه العادة.


واستشهاداً بعبارة خبير التنمية البشرية  جيم رون "لا تترك فمك يحمل ظهرك أكثر مما يستطيع، تعلم قول لا" لأنك ستصبح ضحية وستصاب بالانزعاج والإرهاق، وستنهمك بالقيل والقال، وستنتابك عدوى التشاؤم، وستشعر بانتهاك خصوصيتك وحدوك الشخصية بتدخل الآخرين وعدم قدرتك على إيقافهم بأسلوب لطيف بقول "لا"، فمهارة قولها في الوقت المناسب والمكان المناسب وبقناعة وبلطف وود وهدوء ووضوح ممكنة، وذلك بالبدء فيها في المواقف البسيطة كالمطعم أو المتجر بقول "لا شكراً" هكذا تتمرن في محيط آمن، حتى تتمكن في النهاية من قول "لا" للأشخاص الذين يصعب عليك كثيراً رفض ما يطلبونه منك، الأهم من كل هذا هو أنك إذا تريّثت دقيقة وفكرت بعواقب قولك نعم أو لا فقد تكفّ عن قولهما بشكل تلقائي.


لذا تذكر "في كل مرة تقول فيها "نعم" لشيء غير مهم، تقول فيها "لا" لشيء مهم".

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=46166