وجهات نظر

باختصار : وأين هو الشرق الأوسط !؟!

زهير ماجد


الاعلام تايم_الوطن العمانية


عام 1972 كنت في زغرب عاصمة كرواتيا التي كانت جزءا من يوغوسلافيا يومها، حين التقيت بشلة من اليوغوسلاف والأميركيين الذين يدرسون اللغة السلافية لأسباب لا أعرفها.


جرى حديث عن الشرق الاوسط عندما عرّفت عن نفسي، ولشدة مفاجأتي حين سألتني إحدى الأميركيات، هل عندكم طرق معبدة، لتكمل يوغوسلافية السؤال عما اذا كنا مازلنا نستعمل الجمل في تجوالنا. لكن الأمر لم يبق طي المفاجأة لولا أنني اكتشفت أنهم لايعرفون أين لبنان ولا الشرق الاوسط سوى بالاسم.


هؤلاء كبروا اليوم صاروا أجدادا، ربما ، ولا بد انهم علموا أطفالهم ثم أحفادهم ماعرفوه، وبالتالي ظل العرب في حكاياتهم قصص الف ليلة وليلة وصورة الجمل المطبوع في الذاكرة والثياب الفضفاضة التي تشبه مايلبسه الداعشيون اليوم ، وأن لا وجود للشرق الاوسط كقيمة حضارية أقلها أنه منبع الاديان السماوية، بقدر ماهي منطقة حرام مزروع فيها إنسان بدائي لم تصله أشكال العمران والتحضر .


أليس ساسة الغرب اليوم هم أبناء هذه الفكرة مهما حاولوا التمثيل علينا عند مجيئهم الى بلادنا .. في عقل كل منهم فكرة واحدة ، أننا بحاجة اليهم، من "البابوج حتى الطربوش" كما يقول السوريون، فلا سيارة تمشي في شوارعنا الا من صنعهم، ولا ننتقل بطائرة الا اذا كانت من صنعهم ، ويمكن أن يموت العرب بالجملة اذا لم يرسلوا هم الدواء لنا، واذا تمنعوا عن إرسال السلاح فلا نملك الدفاع عن بلادنا .. كان الصحافي المخضروم غسان تويني يردد أن العرب لم يساهموا إطلاقا في أي اختراع أو صناعة مهمة باستثناء صناعة الاحذية.


وحين تصل المسألة الى السياسة، يعاملوننا بعقل بارد، فيما يعاملون اسرائيل بكل الحنان الدافق في العيون والكلام والاحساس .. أريد فقط استثناء روسيا من كلامي، الروسي ابن حضارة عريقة شرقي الهوى، ومن يقرأ دوستويفسكي وتولستوي ومكسيم غوركي وبوشكين وغيرهم، يشعر بتلك الترجمة الانسانية الشبيهة بأحاسيسنا وتقاليدنا وبأعماق تشبهنا أحيانا. لذلك نميل اليهم كما يميلون الينا، اكتشف عبد الناصر بعد شراء السلاح من الكتلة السوفياتية آنذاك، أن المسألة تتجاوز السلاح لتصل الى ماهو أعمق.


لايمكن تغيير هذه النظرة الغربية الا اذا غيرنا نحن تهافتنا عليهم وانشدادنا اليهم كخطوة اولى، تتبعها خطوات لاحقة مهمة وهو التصنيع، بمعنى إنشاء صناعات عربية في شتى مجالات الحياة، على أن يتخصص علماؤنا في بلادنا كي لانخسرهم، فاذا درسوا في الغرب فلن نستفيد بعدها من وجودهم، حيث إن أبدعوا سيتعرضون لإغراءات البقاء عندهم، أو يتم اغتيالهم بطرق مختلفة، عندما بنى صدام حسين جيشا من المخترعين المبدعين تم اغتيال أكثرهم لاحقا، ومن قبل الهجرة يعيش اليوم متناسيا كل علاقة له ببلاده.


لاشك أننا مساكين في كل الاحوال، فلقد سبقتنا قدرتهم على إثبات الذات فتقدموا هم علينا، وفيما نملك اليوم الاموال فنحن أيضا لانملكه ، ونملك العقول لكنها ستصب عندهم، حتى إن هناك مؤامرة على اللغة العربية بعدما تراجعت كثيرا عن جيلنا الحالي المهتم بلغاتهم ، ونحن نعرف أن اللغة وطن.

 

ثم نسأل كما سأل من صادفناهم منذ عشرات السنين في مدينة زغرب عن أين يقع الشرق الاوسط وعما اذا كانت لدينا طرق معبدة ، وأن الجمل هو سيارتنا المفضلة .

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=45854