تحقيقات وتقارير

"زواج القاصرات".. جريمة وخطر يهدد مستقبل جيل كامل


خاص || الإعلام تايم

عند مفترق الطريق المؤدية إلى المتحلق الجنوبي على أطراف دمشق، تقف "جمال" التي لم تتجاوز الـ14 من عمرها صباح كل يوم، تسأل سائقي السيارات بعضاّ من المال، وبين يديها تحمل طفلتها الرضيعة تحت أشعة الشمس..

المشهد قد يبدو مُعتاداً للكثيرين إلاّ أنه إحدى الجرائم الإنسانية التي أفرزتها الحرب والتي اعتدنا وقعها في زحمة الكوارث الإنسانية التي تشهدها البلاد منذ أكثر من ست سنوات.

فالكثير من قاصرات سورية تحولن بفعل الحرب إلى بضاعة تُباع وتُشترى، في معادلة ﻻ تنتمي ﻻ إلى الإنسانية و ﻻ إلى المنطق بصلة.

فتزويج القاصرات من القضايا التي تتعلق بانتهاك صارخ لحقوق الطفل والمعاهدات الدولية الناظمة لهذه الحقوق، التي وقعت عليها الدول العربية ومنها سورية.

وانتهاك الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، ظاهرة فرضت نفسها على المجتمعات العربية وكانت ضاغطة  تؤرق القائمين على حلها في بعض المجتمعات، نتيجة تداخل هذه الظاهرة مع مشاكل عميقة تعاني منها هذه المجتمعات، تعرقل حل هذه القضية، أهمها البنى الاجتماعية المغلقة، الدينية والاقتصادية.

وبحسب مصادر طبية، فهناك مشاكل مصاحبة لحمل قاصرات السن، مثل فقر الدم والإجهاض، حيث تزداد معدلات الإجهاض والولادات المبكرة، كما أن له آثاراً كارثية على صحة الأطفال، إذ يلي الولادة المبكرة مضاعفات مثل: عدم اكتمال نمو الرئتين، اعتلالات الجهاز الهضمي، تأخر النمو الجسدي والعقلي، زيادة الإصابة بالشلل الدماغي، الإصابة بالعمى، الإعاقات السمعية والوفاة.

كما تتصف القوانين التي تحدد سن الزواج ومصادرها بالقصور إضافة إلى الطريقة التي يتم بها الزواج، ففي سورية، ووفق ما جاء في المادة 166 من قانون الأحوال الشخصية فإنه "تكتمل أهلية الزواج في الفتى بتمام الثامنة عشرة وفي الفتاة بتمام السابعة عشرة من العمر"، لكن الباب ترك موارباً لنصوص أخرى، تتعارض مع نص هذه المادة وتبرر زواج الأطفال، حيث جاء في المادة 18 من قانون الأحوال الشخصية أنه "إذا ادعى المراهق البلوغ بعد إكماله الخامسة عشرة أو المراهقة بعد إكمالها الثالثة عشرة، وطلبا الزواج، يأذن به القاضي إذا تبين له صدق دعواهما واحتمال جسميهما". فموافقة القاضي الشرعي تتم على أساس البلوغ الجسدي، وهو ما يناقض المادة 15 التي تشترط في الزواج أهلية العقل والبلوغ. إضافة إلى أن الزواج يُلزم بالتسجيل في حال حصول حمل.

حيث تنتشر ظاهرة الزواج العرفي غير المسجل، وهناك جزء كبير من هذه الزيجات تعقد على قاصرات، ففي سورية،  فوضى قانونية لها طابع رسمي، فضلاً عن الفوضى التي تعيشها البلاد بسبب ظروف الحرب، مصدرها تناقض في القوانين، وقوانين متعددة ومختلفة تطبق على السوريين وفقاً لمرجعيات لا تقوم على أساس ما يناسب المواطن السوري وفق مفهوم المواطنة والمساواة أمام القانون.

لتتحول قضية تزويج القاصرات إلى مشكلة كبيرة يجب العمل على وضع حد لها، لما ستتركه من آثار كارثية على مستقبل شريحة واسعة من القاصرات السوريات وأطفالهن، على اعتبار أن هذه الظاهرة إحدى مفرزات الحرب على سورية.

فالسبب الأساسي لتزويج القاصرات لا يقوم عرف أو تقليد فحسب، بل نتيجة الفقر والبؤس الذي يعيشه الكثير من السوريين، كل هذا يدفع الأب أو حتى في غيابه إلى الإقدام على قبول تزويج القاصرات تحت ضروب من الضغط كالحاجة للمال وللتخلص من عبئهن المالي بالدرجة الأولى، ودافع السترة بالدرجة الثانية، فيبيعونها مقابل زواج سمّي "شرعياً".


"جمال" وطفلتها ستصبحان جزءاً من حلقة مفرغة تقيّد فرص الأطفال بالحياة وتعمّق انعدام المساواة وتهدد مستقبل المجتمع السوري.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=45681