وجهات نظر

باختصار: أي فرنسا هو المنتظر !

زهير ماجد


الإعلام تايم -الوطن العمانية

 

سقطت إحدى " التنبوءات " التي سمعتها وقرأتها أن الروسي والأميركي سعيا من أجل أن تكون مارين لوبان رئيسة لفرنسا .. والسبب، قولها أنها ستخرج من الاتحاد الأوروبي في حال فوزها، ما يعني تفككه على الفور، خصوصاً أن فرنسا وألمانيا مازالتا تشكلان قوة تلك الوحدة عند خروج بريطانيا منها. وانفراط عقدها كما قرأت وسمعت، هو السعي الأميركي الذي لا يبارح أفكار أي رئيس للولايات المتحدة، ويقول البعض أن وجود اليورو كعملة موازية للدولار مشكلة أيضاً.

هنالك إحصاء قيل فور صدور نتيجة الانتخابات الرئاسية الفرنسية أن نصف الشعب الفرنسي لا يريد البقاء في ذلك الاتحاد، مازال الفرنك وهو العملة الفرنسية القديمة محرضا للذات الفرنسية، وهذا الشعب الذواق فنا، يشعر بأهمية التمايز حتى في عملته عن بقية أوروبا، وبالتالي فهو لا يريد أن يكون جزءا من دول أقحمت إقحاما من أجل التنويه دائما بالمعنى السياسي للوحدة الأوروبية في مواجهة أميركا وربما روسيا.

ثم أن فرنسا كما تقول التحليلات شبه النهائية لفوز ماكرون، لن تكون في أحسن الأحوال سوى نسخة محسنة عن رئيسها الماشي أولاند، تابعة للولايات المتحدة، مغرومة بإسرائيل حتى العظم، محاربة ضد بشار الأسد، قليلة الحيلة مع روسيا، اقتصاد مترنح ، بحيث صرنا نرى لأول مرة فقراء يستعطون في شوارع باريس، في وقت ازداد فيه حجم الفرنسة بدل الانفتاح على العالم ولابد هنا من القول، أن شخصية ماكرون الشابة، التي فسرها كثيرون بأنها تمثيل للشباب الفرنسي بكل حالاته واحتياجاته، إنما هي غير مستقلة الإرادة والتبعية.

رحم الله الجنرال ديغول الذي فجر لدى الفرنسيين إحساسهم بفرنسيتهم مع كل الاستقلالية وعدم التبعية، حتى أنه في العلاقة مع إسرائيل اتخذ دورا صدم به الإسرائيليون يوم هزيمة العرب في العام 1967، وما زلت أذكر أن جمال عبد الناصر يوم استقال إثر تلك الهزيمة، عاد بعدها نتيجة الضغط الشعبي عليه، فوجد فوق طاولته برقية من الجنرال ديغول يطالبه فيها بالعودة وبأنه خسر معركة ولم يخسر حرباً .. لعل ذلك التعبير قد أثر كثيرا في موقف عبد الناصر.

خطاب ماكرون الأولي وهو باكورة أفكار تجميعية، ليست سريعة التركيب بل تعبير عن برنامج مختصر، فيه نقطة مركزية تقول بمحاربة الإرهاب .. وهنا لسنا نفهم على ماذا ترتكز هذه الفكرة المهمة، وهو يطالب برحيل الرئيس الأسد، وكان دور فرنسا تحت حكم أولاند في محاربة الإرهاب أضعف من أن يشار إليه، هو كما قال أحدهم " مزحة " أمام المطلوب الفعلي من هذه الدولة العريقة التي بالفعل إصابتها الختيرة وصارت بحاجة لإعادة بث الدماء الشابة بها على قواعد مختلفة.

تريد فرنسا المستقلة القرار، غير التابعة واللاعبة بحيوية في ملفات ساخنة تحتاج إلى دورها، وبالذات قضية الإرهاب وإعادة النظر بمواقفها من سورية، وقضية فلسطين، وآمال الشعوب العربية مع أنني أكبر في ماكرون موقفه الرافض للاستعمار الفرنسي الذي جثم على قلب الجزائر. فرنسا يجب أن تعود وهي بحاجة لدورة كاملة تغير فيها بوصلتها وارتباطاتها. يمكن للرئيس الجديد أن يعيد لها دورها وحيويتها المعهودة وإرادتها الحرة ، فرنسا يجب أن تملأ وجداننا كما ملأته في عهد ديجول كي نعتبر التغيير.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=45343