وجهات نظر

باختصار: التقسيم حين يطل

زهير ماجد


الاعلام تايم_الوطن العمانية


لم يعد الحديث عن التقسيم في الوطن العربي يستفز أحدا أو يشكل حالة رفض عند أي عربي في أي مكان. هل تبلدت المشاعر القومية أو انطوت وانتهت، وحل مكانها الاعتراف بالحدود الجغرافية كيفما رسمت، المهم قطعة أرض وعلم ونشيد وطني وبعض ملامح جيش وشكل تربوي محدد.. الخ؟


كأنما قدر هذه الأمة أن تعيش هاجس تقسيمها وهي في الأصل مقسمة ومجزأة لكنها أيضا تغفو على بركان قد ينفجر في أية لحظة لتذيب حممه المقسم والمجزأ أيضا. وبالاعتقاد، أنه حتى هذا قد يجد له معجبين وربما أكثرية ساحقة.


الواقع أن التقسيم يظهر أحيانا كفزاعة، وأحيانا كضريبة لا بد منها .. كلما اشتدت المحن برز إلى العلن بما يشبه الحل، وهو في النهاية تحقير للشعب العربي وتصغير لأكتافه، كي لا نقول قولة متكررة إنها مؤامرة على كيانه الواحد، لأن المهم في عرف الكبار الراعين لمنطقة الشرق الأوسط، أن تظل هنالك موانع بين العرب، وأن يزداد الإحساس النفسي بالقطرية وبالجغرافية التي تستبد بالروح فتغدو الأمل والرجاء طالما أن هنالك مكانا لأوكسجين متطاير ولو فوق كيلومترات محددة.
يوم فعلها سايكس وبيكو بأن أجريا جروحا عميقة في جسد الأمة، فقد كان بإمكانهما أن يجريا جروحا أعمق وأكثر، ومع ذلك كان العرب سيتقبلون النتيجة بشجاعة القابض على ما يهمه أن يظل ملكه لأن يكون من أتباعه. من هنا نفهم كيف ذهبت فلسطين، واسكندرون، أمام صمت العرب الذين اعتبروا الأمر أمرا واقعا وعليهم تقبله.


أطل تقسيم لبنان إبان حربه الداخلية أو ما يسمى بحروب الآخرين فيه، يومها قيل الكثير من أن هذا البلد الصغير المساحة لا يمكن تقسيمه، لكن ثمة من كتب أن التقسيم فيه لن يقع إلا إذا وقع في العراق، كان ذلك في سبعينيات القرن الماضي، أي في المرحلة الذهبية للعراق والتي كان من المستحيل تصديق هذه الرؤيا بكل أبعادها، لكنها اليوم تبدو أقرب إلى الحقيقة، مع كل ممارسة العراقيين لمقاوماتهم الباسلة من أجل القضاء، ليس عليها فقط، بل على كونها فكرة أيضا تتكرر ويجب أن يتوقف حتى تكرارها.


لا شك أن المناخ العربي الحالي يساعد على نمو فكرة التقسيم من جديد، عندما تصاب الدولة ويصاب النظام بخلل في ترابه الوطني، تتسلل أفكار جهنمية من هذا النوع المقيت، لكنها مع ذلك ونتيجة لتعب الناس وقلقهم، قد يجدونها حلا إذا بعثت الأمن والاستقرار بدل الفوضى والحروب والموت الدائم.


الحروب على شاكلتها الحالية في المنطقة، تؤدي حتما إلى طغيان فكرة التقسيم، فماذا لو تحقق بعد أن يكون النظام وتكون الدولة قد فقدتا السيطرة على أجزاء من البلاد .. هنالك كما قلنا قبول على خوف مضمر لدى الناس بالخلاص، لكنه أيضا سيكون مدعاة لحروب مقبلة من أجل إعادة التوحد. لكن من يضمن ألا يطول زمن التقسيم أيضا كما عليه حال ما بعد سايكس ـ بيكو الذي بات له من العمر مائة عام وهو في أحسن حال، بل إن الشعب العربي آمن بأنه شعوب مع أنه واحد في أقطار ودول. فهل يحصل هذا الخطر المحكى عنه على الساخن وقبل أن تبرد عوامله، أم ثمة مناعة مخبأة لا نراها؟

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=45278