وجهات نظر

الديك الرومي على طاولة الجنرالات

نبيه البرجي


الاعلام تايم_الديار

اذ شاع مصطلح "ما بعد الحقيقة" (POST - TRUTH)، وحيث الاعلام يصنع الحقيقة الاخرى التي لا علاقة لها بالحقيقة، ثمة مصطلح آخر تصنعه الآلهة، وتصنعه الامبراطوريات "ما فوق الحقيقة". ألا تستطيع أميركا إقناعنا، بزجاجة البيبسي كولا أو بأم القنابل، أن الشيطان يعمل بائع حلوى في بيونغ يانغ؟


هنا الكلام مقدس، وكلنا نطأطئ رؤوسنا. لا لجنة تحقيق في مجزرة خان شيخون. من اللحظة الاولى، وقبل اللحظة الاولى، قالت واشنطن إن طائرات "النظام" هي التي ضربت البلدة بغاز السارين. وها إن الجنرال جون نيكلسون يقول من كابول، وبحضور وزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس، إن الروس يزودون حركة "طالبان" بالأسلحة...


لن نتفاجأ اذا ما خرجت علينا نيكي هايلي بأن أبا بكر البغدادي يقيم في جناح القديسة كاترين في الكرملين، وإن تنظيم "الدولة الاسلامية" من إنتاج الاستخبارات الروسية....


في البيت الابيض رجل أكثر بلاهة من جورج دبليو بوش. متى يقع؟ وأين يقع؟ كلنا تناهى الينا قرع الطبول حول كوريا الشمالية. حاملات طائرات، وبوارج، وغواصات نووية. فجأة يغدو كل شيء مجرد فقاعات إعلامية. من يصفونه بالمجنون (كيم جونغ اون) هدد بالرد. دونالد ترامب قال إنه وضع كل الاحتمالات (المتاحة) على الطاولة.


بعضهم، في منطقتنا، كان يتمنى لو يحكمنا رجل مجنون مثل أبي بكر البغدادي. المشكلة هنا أن الرجل ليس أكثر من دمية استخباراتية، والا كيف له أن يأتي بمائة الف مقاتل الى سورية (ثم يقال ان الرئيس بشار الاسد هو المشكلة). هل سمعتم مولانا الخليفة يتلفظ، ولو مرة واحدة، باسم...اسرائيل؟


صنيعة استخباراتية، بل وصنيعة ذلك التقاطع الاستخباراتي، والاستراتيجي، بين الحالة العربية والحالة اليهودية. أحدهم تحدث عن المحاكاة الالهية بين الكعبة وهيكل سليمان. الآتي أعظم. انشروا الرايات البيضاء....


أكثر من مرة استعدنا ما نقله جورج بول عن هنري كيسنجر "أزمة الشرق الاوسط ولدت مع الله وتموت مع الله". هكذا تم تركيب الازمة السورية لتواكب أزمة المنطقة حتى لا يبقى حجر على حجر...


بالتوازي مع تفجير سورية إعادة تركيب لبنان. لا عودة للنازحين ولا للاجئين. نحن الآن جمهورية انتقالية بوجود تلك الطبقة من المومياءات (أم من الفراعنة؟). بانتظارنا فيدرالية لبنانية ـ سورية ـ فلسطينية على أرض لبنان. لا داعي لقانون الانتخاب...


يا للسذاجة حين يحكى عن مظلة دولية. اذاً، لماذا الحرائق الابدية في سورية؟ الآن، بدأ الديبلوماسي المحنك سيرغي لافروف يعترف بأن من يلعب عسكرياً، وديبلوماسياً، في سورية كمن يلعب في الجحيم....


لا بل إن موسكو التي راهنت على "ليلة الزفاف"مع دونالد ترامب فوجئت بأن الرجل ظهر، ومنذ اللحظة الاولى، مجرد آنية فارغة. ثمة من زرع الجنرالات حتى في جدران البيت الابيض. شبح الجنرال ديفيد بترايوس في كل مكان. هل حقاً إنه يحكم الولايات المتحدة من وراء الستار؟


فلسفة بترايوس لا مكان للروس والايرانيين في أرجاء الشرق الاوسط. رجب طيب اردوغان لم يعد أكثر من حصان خشبي في يد واشنطن. الغريب أن دونالد ترامب سارع الى تهنئته بنتائج الاستفتاء في حين أن وزير خارجيته ريكس تيلرسون شكك بالنتائج بعد ما قرأ تقارير السفارة الاميركية في انقرة...


التقارير قالت إن اردوغان لم يحصل سوى على 46,8 في المئة من الاصوات. ظهر ذلك اليوم جرى تهريب ما بين 3 ملايين و5 ملايين ورقة غير موقعة (وفق الاصول) الى أقلام الاقتراع....
ثمة من يتحدث عن "صدمة القيصر". الآن أسوأ من "الحرب الباردة" بين واشنطن وموسكو. علينا أن نبحث عن مصطلح غير ذاك الذي ابتدعه دين اتشيسون، وإن كانت الملكة ايزابيلا الاسبانية التي طردت العرب من الاندلس، وحيث مأثرتهم الكبرى، هي أول من استخدم تعبير "الحرب الباردة" (la guerre ferra )...


غير أن الروس الذين يمتلكون صبر الدببة، لا هياج الثيران، يرونأن دونالد ترامب الذي حوّل ادارته الى مزرعة للجنرالات (البيت الابيض مزرعة للعائلة) يقترب من الحائط "لم يصغ الى نصائحنا بأن ينظر الى ما فعله الجنرالات في افغانستان وفي العراق وفي ليبيا. لا شيء سوى الخراب".


في نظرهم إن الشرق الاوسط مستودع للزلازل، وإن الرئيس الاميركي يتكئ على عكازات خشبية في المنطقة. بعد ذلك لابد أن يمد يده الى القيصر لكي لا يقع...


زبغنيو بريجنسكي يقول شيئاً من هذا. يدعو دونالد ترامب الى أن يكون المايسترو لا "الديك الرومي على مائدة الجنرلات"!


اذاً، أيام من الهذيان. لا تسويات قريبة. كلام في الاروقة الخلفية عن لقاءات روسية ـ ايرانية ـ سورية عسكرية حساسة جداً لمواجهة الاحتمالات. الا اذا عاد دونالد ترامب الى وعيه. الى وعيه؟!!
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=45145