وجهات نظر

باختصار : فرنسا تنتخب الحدث

زهير الماجد


الإعلام تايم- الوطن العمانية

 

في البلدان المسماة ديمقراطية (مع أنها كذبة) كانت الناس تقترع على مستقبلها السياسي، صارت تقترع على الخوف .. إنه عالمها، هي ابنة المشهد العالمي الذي يمر أمامها كشريط يومي متكرر، رأسه المخيف في الشرق الأوسط، وليس ما يقلقها سوى أن نظام الكون كله لم يعد في مستوى حلمها.

بحث اندريه مارلو عن الأمل، في وقته كان هنالك متسع للوقت، فالكبير ديجول الذي أحب فرنسا ولم يكره الفرنسيين، حاول أن يزرع بذرة تخرج ثباتاً، لكن لا شيء يدوم على حاله، تتغير السياسات ويتكيف العالم مع تغيرها، تتكثف النبوءات عند الشعوب عندما يفرض عليها التغيير وتذهب به إلى نهايته كأنه ليس ما بعده.

فرنسا اليوم لن تختار رئيساً، اختارت من تصنعه الأحداث، فـ ديغول الذي صنع لها تاريخاً، جاء من يصنعه الحدث والتاريخ، في عالم الكبار كانت الأفكار كبيرة وكانت الأوطان منشدة إلى قوة الذات مهما اختلف السياسيون، اليوم هنالك غول في الشرق الأوسط يلتهم الحدود، كل الحدود، فماذا نفعل بأفكار الناس الذين يعيشون صقيع خوفهم على مدار السنة.

لا شك أن عين الفرنسيين باتت على نتائج الرئاسة الأميركية دون أن يعلموا أن أميركا لها في الرئيس الفرنسي المقبل ما لا يراه الفرنسيون. كل العالم بات ينطق الإنجليزية بلكنتها الأميركية، ولأن اللغة تصنع العقل على سجيتها، فهي تصنع الرجال أيضاً.

الاهتمام بالانتخابات الفرنسية الرئاسية ليس من قبيل من يفوز من المتبارين، بل من سيفوز ليدخل ليس الإليزيه وإنما عباءة ترييح الشعب من كوابيس لن يخلص منها. سيكتشف الناخبون بعد مجيء رئيسهم الجديد، أنهم انتخبوا حدثاً كي يصبح رئيساً لدولة كل شبابها له حلم أميركي، ومعنى أن تكون بلاده خالية من الرياح العاتية التي تضرب الشرق الأوسط فيهتز لها العالم. من قال إن الفرنسيين يتفوقون في ثقافتهم كي يحللوا أياً من الرؤساء هو الأصلح لهم. في لحظة الجوع الشديد لا يأكل المرء لذة، بل التهاماً، والفرنسيون جائعون لنقلة جديدة، لكنهم لن يحصلوا عليها من رئيس جديد ليس فيه شيء من ديجول، وبعض من ميتران، وقليل من شيراك. منذ أن توفي ديغول صار كتاب "البؤساء" واجهة الكتب المنتقاة رغم قدمه.

عالم نعيش ألحانه الناشزة لأنه فقد المايسترو الماهر أو صانع الألحان الموهوب، هكذا فرنسا، بل هكذا تتجمع الأحداث لتخلق رجالا يلبسون ثياب الرئاسة. من الصعب أن يظل من عايش ديجول مثلا وكل من عاصره من زعماء، أن يرى غير ما يراه من تراجع كبير في خيارات الشعوب، وهي في الحقيقة نابعة من متغيرات الشرق الأوسط الذي يضغط دائماً على أعصاب العالم. نصف كلام من تباروا في الرئاسة الفرنسية دار حول شرقنا ومحتوياته الملتهبة، فحرائقه قياسا بالكرة الأرضية التي باتت بحجم برتقالة، زنر الأرض وأخذها إلى اللااطمئنان.

صورة فرنسا ظهرت، سواء فاز ماكرون أو مارين لوبان، لا جديد في معركة الخيارات الشعبية سوى أن الأجيال الجديدة قررت أن تنسى عمالقة زمانها وأن تصفق وترقص وتهدي أصواتها أملا في تاريخ لن يعود إلى الوراء، لأن أجمل التاريخ كان غداً كما يقول سعيد عقل، وغداً لن يأتي على ما يبدو في هكذا ورطة اسمها الشرق الأوسط.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=45051