وجهات نظر

باختصار : ويبقى الأمل

زهير ماجد


الإعلام تايم- الوطن العمانية

 

عندما طالت الأزمة اللبنانية فقد اللبنانيون الأمل في الخلاص والحل، مع أن الشعوب تتحمل مرغمة أحداثاً تعرف أنها مصنوعة في الخارج، لهذا جاء العنوان الوحيد لتلك الأزمة يومها بتوقيع الصحافي الراحل غسان تويني إنها حروب الآخرين على لبنان أو في لبنان. فبلداننا مراكز اختبار لأفكار كبار الكرة الأرضية، مثلما هي أيضا مختبر لسلاحهم، دائما هنالك قضية ما يراد اكتشاف أبعادها ونموذجها باللحم الحي العربي.

 

تتعايش الشعوب مع الأزمات الطويلة الأمد مجبرة، بل تتكيف أحياناً، فقد تجد المطاعم تعمل وتقدم الأكل لمن يطلبه، ومحلات الثياب تقدم آخر صرعات الموسم من خلال مصانعها التي لم تتوقف عن العمل. السيارات تخترق الشوارع ليل نهار، والناس تجلس في المقاهي مبتسمة وضاحكة، والكاتب يكتب والصحف تصدر والفنانون يرسمون ويقدمون مسرحياتهم على الجشبات، ودور السينما لم تتوقف عروضها، واحتفالات الزواج قائمة وإنجاب الأطفال على حاله، والمدارس والجامعات تستقبل طلابها…

 

هو سر الحياة التي يصبح لا خيار لها سوى أن تعيش وتتعايش مع الأزمة، أن تقبل في بدايتها على مضض، ثم تعتاد الحرب رغم عدم تقبلها في كل الأوقات، لكن مشيئة من فبركها تطغى على كل اعتبار، والذين يوقدون نارها كلما انطفأ  لا يهتمون بمن يموت ومن يعيش وبأطفال طحنتهم المتفجرات وبنسوة يصرخن، وبشيب يتضرعون. كم مرة شاهدنا تلك المشاهد عن الحروب ورأينا فيها الفواجع، وشعرنا أن تكرارها لن يحصل، إلا أننا نخطئ دائماً في معرفة موقد الحرب وأن هنالك عشرات الأسباب لإيقاظها هنا أو هناك، وكيف تنتصر المصالح على كل حسابات. لا إنسانية كما يتصور الرومانسيون الحالمون بجمهوريات أفلاطونية خالية من المشاكل.

 

لنأخذ الطريق الواصل بين لبنان وسورية وطوله لا يتجاوز المائة كيلومتر، الناس تروح وتجيء عليه من المحافظات السورية إلى لبنان وبالعكس، لقد اعتادت أن تمر بين الخطر، وعلى ضفاف الأزمة أو في صلبها .. وبالمقابل هنالك تجار يحملون البضائع من سورية إلى لبنان وبالعكس، السوريون الذين نزحوا إلى لبنان، هاموا على وجوههم في البداية، لكنهم الآن يعملون، يحصلون المبالغ، يشترون ويبيعون. هو قانون إنساني، كل بدايات لها مصاعبها، لكن الإنسان يجب أن يعيش شرطه في النهاية، بأن يتأقلم وينخرط في نظام حياته الجديد.

 

مع مرور الوقت يتناسى الناس الأزمة والحروب، وحدهم المنخرطون فيها من يعيشونها بكل تفاصيلها الصعبة والمعقدة. ومأساة المسؤول الأول أنه يتحمل كل التفاصيل الصغيرة والكبيرة وعليه أن يفكر بكل شاردة وواردة، وأن يؤمن لشعبه قدرته على الاستمرار، فالناس إن لم تلب طلباتهم ولو في الحد الأدنى، يقفون ضد مسؤولهم وقياداتهم ..

 

زرت مرة بغداد أثناء حربها مع إيران وحين ذهبت لزيارة بعض الأصدقاء رأيت صور شهدائهم معلقة على الحيطان، واللون الأسود يطغى على لباس النسوة وحتى الرجال. لكن الحياة لم تتوقف، ولا هي توقفت في أصعب الأوقات. زائرو دمشق اليوم يخبرون عن عاصمة سورية وكأنها مفصولة تماما عن الجغرافيا السورية، نظرا لهناءة أناسها والحياة الطبيعية التي يعيشونها، وهي في الحقيقة خدعة بسيطة، رغم واقعها المتألق المبدد لأية مخاوف منظورة وغير منظورة.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=44989