وجهات نظر

لماذا نحن كعرب أهداف لتأديب الآخرين وإرهابهم؟

عبد الباري عطوان


الإعلام تايم -رأي اليوم


شعرنا بالكثير من الاهانة والالم في الوقت نفسه، كعرب ومسلمين، عندما شاهدنا صحف اسرائيلية تحذر الولايات المتحدة وهي تحشد قواتها وأساطيلها للهجوم على كوريا الشمالية، من أن الاخيرة ليست مثل سورية، وأنها تملك أدوات الرد، وقد يكون ردا صاعقا على أي عدوان تتعرض له، فهي تملك الصواريخ والرؤوس النووية العابرة للمحيطات.

الإهانة نابعة من تحولنا كعرب الى "ملطشة" وحقل للتجارب، وأراضينا باتت مباحة، وكذلك دماؤنا، وأرواح مواطنينا، حيث تتكاثر الامم على قصعتنا، وتمزقنا الطائفية، ويتحول إعلامنا الى اعلام فتنة وتحريض ضد الآخر العربي والمسلم، في إطار مخطط غربي محكم لتبرير العدوان تحت أعذار وذرائع متعددة.

المخطط الذكي يبدأ في شن حملات منظمة ومدروسة حول أسلحة الدمار العربي الشامل وضرورة نزعها، وأي محاولة للرفض توفر الارضية القانونية والاخلاقية للعدوان والتدمير وتغيير الانظمة القائمة بالقوة العسكرية.

لم يكن من قبيل الصدفة أن القاسم المشترك بين جميع الدول العربية التي تعرضت للعدوان الامريكي، تجاوبت مع الاملاءات الامريكية المدعومة من الامم المتحدة، بنزع أسلحة "الدمار الشامل" لديها، والكيميائية منها خاصة، وتخلت عن طموحاتها في الردع النووي، ولكن هذه الخطوة لم توفرها الحصانة، وتلتها الخطوة التالية بالعدوان أو الاحتلال أو الاثنين معا.

فعندما تطمئن الولايات المتحدة الى أن هذه الدول لم تعد تملك أسلحة قوية للدفاع عن نفسها، وإلحاق أكبر قدر من الاذى بالقوات الغازية المحتلة، تبدأ العدوان والقصف الجوي.

ثلاث دول عربية تعكس أمثله واضحة في هذا الصدد، وهي العراق وليبيا وسورية التي سلمت أسلحتها الكيميائية، سواء طوعا تحت الضغط بالعدوان، وتعاونت مع فرق التفتيش الدولية، أو نتيجة لضربات عسكرية تدميرية، وحصار تجويعي خانق وظالم.

إدارة الرئيس الامريكي جورج بوش الابن كانت تعلم جيدا أن الرئيس العراقي صدام حسين كان صادقا في تعاونه مع فرق التفتيش الدولية، والكشف عن كل ما في ترسانته الكيميائية والنووية من مواد وأسلحة ومعدات، وتحّمل كل الاستفزازات التي مارسها المفتشون ومعظمهم كانوا جواسيس، بما في ذلك تفتيشهم لقصوره وغرف نومه، وعندما اطمأنت الى نزع أسنان العراق الكيميائية وشبه النووية بدأت الغزو فورا.

العقيد معمر القذافي وقع ضحية خديعة الضبع الماكر توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا الاسبق الذي اقنعه بتسليم مخزونه من الاسلحة الكيميائية ومعداته النووية طوعا مقابل توفير الحصانة له، واستيعابه ونظامه مرة أخرى في المجتمع الدولي، وعندما سلم هذه الاسلحة والمعدات، جرى "فبركة" ثورة ضده، واستصدار قرار بحماية الثوار من مجازره الوشيكة، وانتهت المسرحية المؤامرة بإسقاط النظام وتحويل ليبيا الى دولة فاشلة تعمها الفوضى الدموية، وتخضع لسيطرة الميليشيات المتقاتلة، وتقف على حافة التقسيم النهائي.

سورية واجهت وتواجه السيناريو نفسه، ولكن بالتقسيط غير المريح، وجرى استخدام التهديد العسكري، وحشد حاملات الطائرات، لإجبارها على تسليم مخزونها من السلاح الكيميائي في اتفاق تم التوصل اليه عام 2013، وقبل أسبوعين تعرضت قاعدتها العسكرية في الشعيرات لقصف صاروخي أمريكي وسط اتهامات غير مؤكدة باستخدامها اسلحة كيميائية في خان شيخون قرب ادلب.

أكثر من مئة من نصفهم من الاطفال تعرضوا للموت تفجيرا عند مغادرتهم بلدتي الفوعا وكفريا تنفيذا لاتفاق رعته الامم المتحدة، وفي إطار خديعة محكمة، وسط صمت عربي وعالمي، خاصة من الدول العربية التي رعت هذا الاتفاق أو تلك التي دعمت وتدعم من ارتكبوا هذه المجزرة.

لا بد أن الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ اون الذي لم يقم أي علاقات مع اسرائيل مطلقا، تابع واستوعب هذه الدروس العربية المخزية والفادحة النتائج، ولهذا قد لا يقع في المصيدة الامريكية ويتوقف عن تجاربه النووية، والصاروخية الباليستية، لأنه يدرك جيدا انه بحاجة الى قوة الردع، ولعل تهديداته الجدية بالتصدي للعدوان الامريكي بالقدر نفسه من القوة والكيفية سيوفر له الحماية.

الاهم من كل ذلك أن حلفاء كوريا الشمالية في الصين وروسيا ليسوا مثل الحلفاء العرب، بل أكثر كرامة واخلاقا، ولا يخلعون صاحبهم، مثلما يخلع العرب، وخاصة في بعض دول الخليج، أصحابهم في العراق وسورية وليبيا، وهنا يكمن الفرق الكبير.

أمريكا تضرب العرب في محاولة لتأديب الآخرين، وخاصة كوريا الشمالية وايران، و"أم القنابل" التي استخدمت في افغانستان لضرب ما قيل إنه أنفاق وقواعد لـ"داعش"، وصواريخ "توماهوك" التي ضربت الشعيرات، كلها رسائل موجهة الى البلدين، أي كوريا الشمالية وايران.

إنه وضع عربي مخجل وصلنا اليه عندما انتقل القرار والقيادة العربية من دول المركز الى دول الاطراف التي تملك المال والنفط، وتعتبر أمريكا حليفا موثوقا، والدور قادم اليها حتما، فتغيير الانظمة وفق القاموس الامريكي يتم بعدة طرق، أحدثها الافلاس المالي وهو قادم حتماً.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=44887