وجهات نظر

باختصار : من يكتب هذا التاريخ؟

زهير ماجد


الإعلام تايم - الوطن العُمانية

 

غدا سيكتب كل التاريخ من وجهة نظره، المهزومون إن سمح لهم لن يقولوا بالهزيمة، وأما الرابحون فهم من سيقول ويكتب ويزيد، ولن يقبل إلا القول الملائم لذوي المكاسب التي تحققت.


ستقول المعارضة السورية مثلاً إنها ناضلت ضد الرئيس بشار الأسد، سيكون هو الجهة التي سيتم تحميلها كل ما جرى وكل صراعها وشكله من يسمع كبير المعارضين نصر الحريري يعرف كيف يبدأ كلامه وما هي النقطة المركزية فيها، إنه الرئيس الأسد دائماً.
يقول ماركس لا علم إلا بالتاريخ، هو ليس قصة أو مجرد أحداث، إنه مدرسة الخبرة لمن يريد الاستفادة للحاضر وأهمها للمستقبل.
قرأت مرة لأحدهم مقالاً عن الكتابة التاريخية، كان كلامه في منتهى الشفافية لكنه أقرب إلى المزاح ممزوجا بالمزاج، أي أنه كان يسخر بذكاء من كل ما قرأه في كتب التاريخ القديم، فقد قال في إحدى الفقرات، تصوروا أن أحداثا نعيشها ويأتي ثمة من يكذب فيها أو يغالي في تفاصيلها، فكيف تلك التي لم نعشها، أن كما من التواريخ ضاع واحترق، وهنالك كم نقل شفاهة، وبعضه كما قلنا للمنتصر.


كمية الكتب التاريخية هي الأكثر عدداً من كل الاختصاصات الأخرى، ولأنه العلم الضرورة لكل زمان ومكان، فهو مطلوب ومرغوب .. كان رجل الدين اللبناني محمد حسين فضل الله في معظم أحاديثه يؤشر دائماً إلى أهمية أن يكتب كل من عمل في الحقل العام مذكراته، وبرأيه أن التاريخ هو جمع المذكرات، وخصوصا في عالمنا العربي المثقل بالأحداث المعقدة والصعبة .. أنا من جهتي أحب سير القادة الذين كان لهم دور ومعرفة، مع أنني أجزم أنها ليست كل ما هو مطلوب حقيقة .. فأكثر المذكرات تكون أشبه بمختارات يلتزم كاتبها بما يستحق قوله وكتابته، والباقي إما يهمل أو نراه مدونا على ورق متروك بخط يد صاحبه.


من أظرف ما عرفت أن العدوان "الإسرائيلي" على لبنان عام 1982 دفع ياسر عرفات الذي كانت تلاحقه الطائرات الإسرائيلية إلى وضع يومياته في محفظة (لا نعرف هذه اليوميات أين أصبحت؟) بل يقال إن مذكراته أيضا إلى جانب يومياته .. وذات مرة دخل إلى مسجد جامعة بيروت العربية ليصلي، وإذا بمرافقه ينسى المحفظة، وبعد خروجهم من المكان اكتشف عرفات المشكلة فعاد الجميع لكنهم لم يجدوها، وبالكاد عرفوا من أخذها، وعرفوا لاحقا عندما أعادوها أنها جهة فلسطينية أيضا قامت بتصوير كل ما كتب وهي، ربما، تحتفظ به في أرشيفها الخاص.
شخصية سياسية كعرفات يجدر أن ينشر كل يومياته كما فعل المناضل الفلسطيني أكرم زعيتر الذي ترك بعد وفاته مجلدات ضخمة لليوميات الفلسطينية في الثلاثينيات والأربعينيات وما تبعها، وتعتبر بحق مراجع مهمة لكل من يريد الاستفادة من التاريخ الفلسطيني قبل النكبة وبعدها.


إذاً، لا بد من كتابة المذكرات ولو بأشكال مختلفة وبعناوين مختلفة أيضا، مثلما فعل أندريه مارلو حين سمى ما كتبه لا مذكرات.
لا شك أن قراء التاريخ هم الأكثر بين القراء العرب، على الرغم من أن القراءة في الوطن العربي ميتة ولا يصل المرء العربي فيها سوى سبع دقائق في السنة كما قيل، في كل الأحوال لا بد من تلك الكتابة، علما أنها كما قلنا تخضع لواقع الكاتب وخلاصة دوره وجماعته وما يشكله في هندسة المرحلة التي كان فيها.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=44861