وجهات نظر

"مستقبل الأسد".. بين الإقرار الضمني والعلني

أحمد شعيتو


الإعلام تايم -المنا

ر

رغم أن التصريحات الأميركية الجديدة بشأن مستقبل الرئيس السوري جاءت بمثابة الحدث العلني فإن ما قبلها من سياقات وسياسات كان بمثابة الحدث "الضمني" الذي كان يفرض احتمال أن يؤدي في النهاية الى الخروج العلني بهذا الموقف ومن المعروف في عالم السياسة أن خروج الموقف الى العلن هو آخر حلقة في ذروة الالتزام بسياسات معينة أمام الملأ وفي العلاقات الدولية، وانطلاق الموقف الى العلن له وقعه الخاص ، مما يعني أن انبثاق هذا الموقف الأميركي اللافت أمام العالم يوضح جوانب أكثر من سياسات إدارة ترامب تجاه سورية، لكن موضوع الموقف الاميركي من الأسد وخروجه الى الإعلام في تصريحات من أعلى المستويات يتوج سياقاً بدأ منذ شهور وحتى قبل انتهاء ولاية أوباما.

 

وطبعا فكل ولاية رئيس جديد يمكن أن تشكل انفصالاً عن سياسة ادارة الرئيس السابق لكن يبدو أن هناك امتداداً في بعض الأمور الخاصة بسورية بين ولايتي كل من أوباما وترامب، لا سيما الإقرار بموضوع التفاوض مع النظام منذ جنيف -1، إضافة الى الحديث في عهد أوباما عن الحرب على "داعش". وطبعا لم تكن هناك جدية في عهد أوباما في الحرب على "داعش" وبقي "التحالف الدولي" صورياً ضد الإرهاب ويستمر في عهد ترامب التشكيك بفعاليته .

كما أنه منذ الحملة الانتخابية لترامب بدأ إصدار مواقف تقول أن الأولوية ستكون الحرب على "داعش" ، وجاء الموقف بالأمس اتصالاً مع هذه المواقف السابقة ولكن بشكل أكثر وضوحاً بشآن الرئيس السوري ولا شك سيثير امتعاض الكثير من الحلفاء والتابعين. أما موضوع التقارب الترامبي مع روسيا فهو يؤثر أيضاً على توجهات الإدارة الأميركية بشأن سورية.

 

ما جاء من موقف عبر البيت الأبيض والخارجية في أميركا حول عدم أولوية "إسقاط الأسد" هو إقرار علني بالواقع بعد أن كان الإقرار ضمنياً.  أما القول الأميركي أن مستقبل الرئيس السوري بيد الشعب السوري فالسؤال الذي يطرح مقابله هل أنه قبل ذلك لم يكن موضوعاً بيد الشعب السوري وهل هو إقرار بمحاولات فرض إرادة خارجية رغم التحجج سابقاً بإرادة الشعب السوري في "التغيير".

الموقف الأميركي جاء بعد مواقف تركية قريبة من هذا السياق بعد أن كانت في طليعة المتطرفين بهذا الشأن الا أن التوصل الى الرعاية الثلاثية التركية الروسية الإيرانية لوقف النار كان بمثابة انعكاس لتغيرات الموقف التركي والموقف الأميركي ضمناً. كما كان لافتاً تزامن الموقف الأميركي مع موقف فرنسي شبه مطابق على لسان وزير الخارجية الفرنسي جان مارك آيرولت الذي دعا الى عدم التركيز فقط على مصير الرئيس السوري بشار الأسد في إطار المساعي للتوصل الى اتفاق سلام في سورية.

 

أما تبرير الإدارة الأميركية للإعلان الجديد فقد استند الى نقطتين: الأولى القبول بالواقع وهو فعلاً تعبير عن ما فعله الميدان، وما أنجزه الجيش السوري وحلفاؤه في العديد من الميادين، والنقطة الثانية التحجج بأن الإدارة السابقة أضاعت الكثير من الفرص في هذا الخصوص -كما جاء على لسان المتحدث باسم البيت الابيض- أي بما معناه أن الإدارة السابقة عبر سياستها الفاشلة في سورية جعلت الأمر علينا أكثر صعوبة وهذا ما أجبرنا على مثل هذا الموقف.

وفي سياق قراءات للموقف الاميركي يقول مستشار نائب الرئيس الأميركي السابق لشؤون الأمن القومي، كولين كول، أن الرئيس الأميركي ترامب تخلى عن مسألة الإزاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، معتبراً أن مثل هذا السيناريو لم يعد مطروحاً لدى الإدارة الأميركية الجديدة. وقال " إدارة ترامب قالت بوضوح إنها لن تحاول إزاحة الأسد. من البديهي أنهم تخلوا عن مسألة مستقبل الأسد. ستركز الإدارة الجديدة على مكافحة "داعش" والجماعات التي على صلة بتنظيم "القاعدة" في سورية".

موضوع أولوية الحرب على الإرهاب هو بمثابة نقطة الارتكاز لإعلان فشل السياسات الأميركية في سورية ، هذا ما تناولناه في تقارير سابقة أشرنا فيها الى أن المبرر والمخرج سيكون موضوع الحرب على "داعش" حتى ولو لم يكن هناك جدية فعلية في الحملة على "داعش" وأخواتها. وفي الفترة المقبلة سيكون الترقب لما ستؤول اليه الأمور في الشمال السوري سيما في ظل التركيز الأميركي على موضوع الرقة وكذلك الترقب لما سيكون عليه الموقف التركي في هذا الإطار. لكن الجيش السوري في كل الأحوال يواصل توسيع وتثبيت انتصاراته ضد "داعش والنصرة" وحلفائهما في أكثر من منطقة وميدان. أما سياسياً فلا يزال هناك مراوحة في جولات جنيف ولكن السؤال حول مدى التأثير المتوقع للموقف الأميركي وانعكاسه على الجولات التفاوضية المقبلة ورسم معالم توافقات معينة.

 

الثابت أن الشعب السوري لا ينتظر اعترافاً بالرئيس الأسد من أي طرف .. القيادة السورية ثبتت أمام العواصف والميدان قال ويقول كلمته والشعب السوري قال كلمته وهو قرر "مصير الأسد" مسبقا وسيقرره في أي انتخابات مقبلة ليثبت مجدداً أن الشعب السوري وليس أي أحد هو من يقرر مستقبل بلده؛ السياسات الواقعية هي ما أدت الى تغير المواقف وليس ذلك منّة من أحد.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=44568