وجهات نظر

اليمين يتقدم في عالم يتجه نحو الانغلاق

حسين سمّور


الإعلام تايم - المنار

 

صوّت البرلمان الاسكتلندي لصالح اجراء استفتاء للانفصال عن بريطانيا، القرار كان متوقعاً بالنسبة للكثير من الكتاب والمتابعين، فالتطورات الحاصلة في أوروبا من شرقها الى غربها، والتي كان أبرزها خلال الأيام الماضية هجوم جسر ويستمنستر في لندن، لن تحمل معها أخباراً سارّة لأنصار العولمة والانفتاح في القارة العجوز، بل هي بدأت تؤسس لمعركة سياسية حقيقيّة مع أنصار العودة الى مربع الانغلاق، أو ما يعبرون عنه بأنه المربع الوطني.

أي متابع للتطورات في العالم خلال الأشهر الماضية، يرى بوضوح أن الديمقراطيات الغربية شهدت تحولات كبيرة، وباتت تتجه نحو اليمين بشكل سريع، والأمثلة كثيرة على ذلك، فبريطانيا صوتت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، من دون إعطاء قيمة كبيرة لكل النتائج الاقتصادية والأمنية والاجتماعية المترتبة على هذا القرار، وأتبعت هذا التصويت بميل كبير نحو اليمين في حكومة تيريزا ماي الجديدة، وها هي اليوم بعد تسعة أشهر على هذا التصويت، تباشر رسميّاً عمليّة بريكست التاريخيّة للانفصال عن التكتل الذي انضمت إليه قبل 44 عاماً، في عمليّة تحتاج لعامين من المفاوضات قبل الانفصال التام في ربيع العام 2019.

قرار الانفصال البريطاني تبعه وصول المرشح الجمهوري دونالد ترامب الى البيت الأبيض في أمريكا، مع ما يحمله من أفكار مناهضة للمهاجرين، وداعية الى تفضيل الأمريكيين على من سواهم، كما دعا الى رفع الجدران ضد جيرانه في المكسيك. ومنذ وصوله بدأ ترامب باتخاذ إجراءات متطرفة، مثل الحد من دخول المهاجرين، إضافة الى وضع عراقيل بوجه الشركات والمصانع الغير أمريكية والتي تعمل في الولايات المتحدة. ورغم المعارضة التي يلاقيها ترامب، الا أنه يلقى دعماً من فئة كبيرة من الأمريكيين، وهذا ظهر خلال فوزه بالانتخابات مخالفاً جميع التوقعات واستطلاعات الرأي.

وبعد بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، تلقي الأحداث الامنيّة المتنقلة، والتطورات السياسيّة بظلالها على الانتخابات الفرنسية المقبلة، وعلى الأفكار التي يحملها الساسة الفرنسيين لا سيّما تلك المتعلقة بالهجرة. ونقلت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية أن هجوم لندن الأخير أعاد فتح المجال لزعيمة الجبهة الوطنية "مارين لوبان" بالتصويب على المهاجرين، وإعادة طرح نظرياتها السياسية المناهضة للهجرة، والمؤيدة للخروج من الاتحاد الأوروبي وإعادة لملمة البيت الفرنسي الداخلي بحسب قولها. كما رفع بعض زعماء يمين الوسط شعارات حماية الحدود الفرنسية، وتشديد الإجراءات الأمنية، خاصة في المناطق التي يعيش فيها مهاجرين بضواحي باريس، كما أن عدداً من الكتاب في فرنسا وخارجها، عادوا الى موضوع التحريض على الكراهية، تجاه المهاجرين وكل من هو من أصول غير فرنسية.

اليمين يتقدم واليسار عاجز عن لملمة صفوفه

 أمام هذا الواقع، وفي نظرة للسياسة الغربية الحالية، فإن المخاوف تبدوا كبيرة، اليسار يبدو عاجز عن توحيد صفوفه، هذا ما ظهر في بريطانيا، وهو الأمر الذي يواجهه المرشح للرئاسة الفرنسيّة "بونوا هامون"، أما في المقابل وعلى الرغم من أن اليمين لا يحقق ذلك الفوز الكاسح، الا أنه يتقدم بشكل ملحوظ، فهو فاز في بريطانيا وأمريكا، وحقق تقدماً لافتاً في هولندا رغم الخسارة، وفي فرنسا تؤكد كل الاستطلاعات أن مارين لوبان ستصل الى الجولة الثانية من الانتخابات الفرنسية، بعد تراجع حظوظ منافسيها، وازدياد مخاوف الفرنسيين من تناقص فرص العمل في ظل تحولات العولمة، وارتفاع حالة العداء للمهاجرين، إضافة الى رفض النخبة الحاكمة حالياً، وازدياد نسب الخوف من الإرهاب، نتيجة ما حصل في باريس ونيس واليوم في لندن. وهنا نقلت صحيفة "لوبينيون" الفرنسية عن مستشار في الحكومة قوله أنه، "يكفي أن يسقط قتيل واحد او أن تندلع اضطرابات كي تزداد حظوظ مرشحة اليمين المتطرف" للفوز بالانتخابات.

هي مجموعة زلازل سياسية تعيشها القارة العجوز اليوم بحسب وصف محللين غربيين، لا شك أن ارتداداتها ستطال الجميع، فالمعركة كبيرة وستزداد صعوبة من مرور الأيام، وربما تتحول الى معركة أيديولوجية، ترتفع معها الجدران ويزداد الخوف من الآخر المختلف.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=44466