وجهات نظر

ضفاف البحر الميت... ضفاف الزمن الميت

نبيه البرجي


الإعلام تايم- الديار

 

منذ أكثر من أربعة عقود، قال الانكليزي ديزموند ستيوارت "لكي تكون ملكاً في الاردن، وتبقى، عليك ان تكون بهلواناً او عبقرياً.

الآن، عبد الله الثاني ملك الملوك على ضفاف البحر الميت. على ضفاف الزمن الميت. كيف تمكن من البقاء مكانه مادام يتاخم الأزمة السورية بكل أهوالها، ويتاخم الأزمة العراقية بكل أهوالها؟

يقال "فتش عن الاستخبارات الأردنية". هل هي بارعة الى هذا الحد؟ تحمي البلاط من الأعاصير، وتشتت "الأخوان المسلمين" ثم تجعل الفلسطينيين الذين هم أقل من نصف مواطنين في الضفة الغربية يرتضون أن يكونوا أكثر من نصف مواطنين في الضفة الشرقية...

لا، لا، المسألة ليست هكذا تقنية، وترتبط بحنكة القادة الذين مثل أترابهم في الاجهزة العربية الاخرى يعطون الاولوية للعصا، بما في ذلك العصا الكهربائية، على القفازات الحريرية...

هذه مملكة ابتدعها الإنكليز بالسكين لأغراض معينة. تصوروا أن يبقى "غلوب باشا" قائداً لـ "الجيش العربي الأردني" حتى عام 1956 حين "إزالة" الملك حسين في ذروة العاصفة الناصرية. وأكثر من مرة ذكرنا كيف أن غولدا مائير كانت ترتدي ملابس رجل لتلتقي الملك عبدالله المؤسس...

 

وحتى لا يذهب خيالكم بعيداً، وتصدقوا أن العاهل الاردني تزوج بها، كما تردد بعض المصادر، فإن مائير كانت من القباحة بحيث أن فرنسوا ميتران فوجئ بشكلها فهمس في أذن صديقه جاك آتالي "يبدو انها سقطت للتو من مؤخرة يهوذا".

البلاط يلعب ببراعة (هل من خيوط انكليزية هناك أم أنه الدم الانكليزي في عروق الملك؟). الاستخبارات الأردنية أيضاً. المملكة استفادت من كل مصائب المنطقة. العراقيون يجدون فيها الملاذ المثالي، حتى أن صهري صدام حسين حين فرا منه قصدا الأردن قبل أن يستدرجا للعودة الى بغداد ويتم قتلهما بتلك الطريقة الهمجية...

 

الملك حسين هو "المعلم". مشى و ماشى كل الرياح. وحين قضي على العائلة المالكة، بمن في ذلك ابن عمه فيصل، في انقلاب عبد الكريم قاسم عام، 1958 اهتز البلاط الأردني. لم يقع بعدما ظنت الاستخبارات المصرية أنها مسألة ساعات، ويهرب الملك بطائرته...

هذه مملكة وجدت لتبقى. حين أطلق ييغال آلون مشروعه لإقامة دولة فلسطينية في الضفة الشرقية، وصل مبعوث بريطاني على وجه السرعة الى تل أبيب ليبلغ المسؤولين فيها بأن سقوط المملكة الأردنية الهاشمية يستتبع، حكماً، سقوط مملكة داود....

الآن، أصحاب الجلالة وأصحاب السمو وأصحاب الفخامة في ضيافة العاهل الهاشمي الذي أقام علاقات وثيقة مع الجميع، وقدم خدمات استخباراتية واستراتيجية (جلّى) الى الجميع.

هو يعرف ما في رؤوسهم. لكنها أسرار البلاط التي لم تستخدم في أي وقت من الأوقات، مع أن الإعانات تراجعت. السبب أن الثروات تذهب الى أرض المعركة. المعركة ضد من؟

لا تتصوروا أن حديث الموقد بين دونالد ترامب، أو أي رئيس أميركي آخر، وعبد الله الثاني هو حديث كلاسيكي ويشبه أي حديث آخر. عودوا الى دنيس روس، أو الى اليوت أبرامز، لتتبينوا كيف يتم التعاطي مع صاحب الجلالة على أنه الأميركي المدلل (ابننا الاميركي)...

 

وراء الضوء، معلومات مؤكدة بأن ترامب الذي لا يرى في المنطقة أكثر من مستودع للقبائل (الغابرة) أو مستودع للثقافات (الغابرة)، عرض على عبد الله الثاني أن يكون ملكاً على سورية والعراق. هذا هو الحل المثالي لتفكيك كل أزمات المنطقة...

الملك فوجئ بالعرض المغري، والقاتل. هل حقاً أنه قال لترامب، وبأعصاب باردة، لعلك تريد أن يجهزوا عليّ بالضرية القاضية؟ مملكة هاشمية تجمع سورية والعراق. أين المملكة السعودية في هذه الحال؟

عبدالله الثاني يعي تماماً ما حل بأجداده، ويعي ما هي سورية، وما هو العراق. بطبيعة الحال يدرك ما هي ردة فعل المملكة العربية السعودية. العاهل الأردني اعتذر عن..... الانتحار.

الثابت أنه طرح في البيت الأبيض رؤيته للأمور، وتردد أنه التقى لنحو ساعتين بالمستشار الرئيسي للرئيس ستيف بانون الذي لا ندري ما إذا كان مستشار الأمن القومي الجنرال ماكمستر سيحد من طريقة تعاطيه مع الإسلام كـ "ايديولوجيا مجنونة"، ومع العرب كـ "كائنات تسعى لتحطيم الحضارة الغربية".

 

على ضفاف البحر الميت, على ضفاف الزمن الميت، هو ملك الملوك. حين عاد من واشنطن اتصل بالبعض وقال ما معناه "فتحت لكم الأبواب". حبذا لو أن أبواب القمة تفتح على القضايا الكبرى لا على المصائب الكبرى!!

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=44464