وجهات نظر

النصرة تستحمّ بالنار في الغوطة .. فمن التالي؟ عند جوبر الخبر اليقين

نارام سرغون


الاعلام تايم

سأغسل قلمي اليوم بالنار وسأغسل كل الأسئلة الحيرى بالنار.. وسأغسل قلبي بالنار.. بل سأغسل بالنار النار.. فلا يوجد غير النار نغسل بها أسئلتنا هذه الأيام عندما يفيض الليل الوهابي فتغرق فيه العيون والقلوب والأرواح.. فسبحان من عصر من النار ماء النار كي نغسل بها أرواحنا التي تظلم وعيوننا التي غرقت في مياه الليل.. وهل هناك ليل مثل ليل الجهلاء والعملاء والسفهاء والخونة الذي يغرق في مائه الأسود العقل والأذن والروح ..


احتاج جدا لماء النار كي أمسح بها حيرتي وأنا لاأدري كيف ستنام غوطة دمشق هذه الأيام وقد مات مئات من شبابها في غمضة عين في عملية فاشلة تم زجهم فيها دون رحمة في جوبر.. ولاأدري كيف ينام هذه الأيام هؤلاء الذين كانوا يصفقون لهذا الموت الشره الذي التهم مئات من شباب الغوطة الذين خرجوا من بلعوم جبهة النصرة.. لاشك أن عيون اردوغان نائمة الآن وعيون سلمان وعيون ليبرمان .. ولكن عيون كثيرين من أهل الغوطة لن تنام وهي تدفن شبابها الذين ماتوا ولم يبق بيت الا ودخله نعش .. كارثة أخرى تحل بأهل الغوطة بسبب بعض الجهلاء ودخول الغرباء فيها .. حيرتي وأسئلتي التي تحتاج نارا لتمسح عنها الظلام تأتي من أنني أعرف أهل الغوطة جيدا وكنت كلما مررت ببساتينهم وكرومهم بشكل عابر وتهت فيها دعوني بكرم الى فاكهتهم ومشمشهم وعنبهم كفلاحين طيبين.. وكنت اذا عطشت فتح لي الفلاح مضخات المياه الباردة التي تسقي اشجاره وسكب منها البراميل حتى يملأ كأس الماء لي.. فماذا حل بهؤلاء الناس ومن حولهم الى مجانين وقتلة يموتون في معركة خاسرة.. وكيف صار من يزرع العنب والتفاح يزرع في شوارعنا قذائف الهاون ويقتلنا بالقناصات فنرميه بسجادة من النار حتى تمتلئ مدافن الغوطة بالقتلى من أبنائها وتتكرش المقابر من كثرة ما ابتلعت من أجساد ماتت على أطراف دمشق منذ ساعات ..


منذ أن بدأت المعارك الاخيرة في بعض محاور دمشق وهناك نوع من الاستغراب العسكري من الهدف من عملية خاسرة مئة بالمئة تقودها جبهة النصرة.. لأن المحاور التي قررت النصرة اختراقها كتيمة جدا ولايمكن أن يمر منها الماء وربما الهواء كما يعلم القاصي والداني .. وأقصى مايمكن أن يحدث هو تمدد مؤقت لعشرات الأمتار لايمكن أن يثبت لأنه سيتم إحراقه بمن فيه .. فكيف يمكن أن يخطر على بال أحد أن الدولة مثلا يمكن أن تترك محورا خطرا مثل محور جوبر من دون ترسانة من السلاح والمؤازرات خاصة أن جوبر كانت منذ الأيام الأولى أحد الأبواب الرئيسية لاقتحام دمشق في المخطط المرسوم منذ سنوات؟؟ الاستغراب يزيد اذا لاحظنا أن هذه المعركة تخاض في توقيت خاطئ جدا من الناحية العسكرية إثر انهيار الجبهات الخطرة التي كانت تؤازر جوبر وأخواتها مثل داريا والمعضمية وقدسيا والهامة ووادي بردى وغيرها .. فكيف يمكن ان يفكر أي قائد عسكري بخوض مثل هذه المعركة في مثل هذه الظروف الا اذا لم يكن يبالي بالثمن الباهظ وهو يريد تحريك جبهة من أجل رسالة سياسية .. أو أنه مجنون بكل معنى الكلمة خاصة انه يرى قوة الجو الروسية والسورية قادرة على سحقه ..


مانعلمه علم اليقين الآن ومن خلال معلومات استخبارية دقيقة جدا أن هناك أمرا خارجيا تلقته مجموعات جوبر وملحقاتها بإطلاق الهجوم دون اعتبار لأي نقاش عملياتي أو عسكري .. وهناك من يؤكد أن مصالحة كانت تكاد تنجز سرا في الغوطة ولكن تدمير هذه المصالحة تم بالزج بآلاف المسلحين في المعركة الخاسرة سلفا .. ويبدو أن من دفع الى هذه المعركة قرر معاقبة وردع تيار المصالحة بكسر إجراءات الثقة بين الغوطة والدولة .. ومن خلال تجربتنا الوطنية نميل الى القول ان من أصدر الأمر تعمد هذه المعركة المكلفة بشريا لأنها الطريقة الوحيدة لاستجرار مزيد من الدم في الغوطة حيث ستزيد المعركة مستوى الموت في الغوطة مما يزيد من مستوى الثأر والكراهية بين المفجوعين بأبنائهم وبين الدولة بعد ان كانت النفوس قد بردت قليلا خلال اجراءات بناء الثقة والهدنة الماضية .. فهناك في الخارج من يراقب بقلق ويرى خطرا في برودة الثارات وجفاف الدم لأن مستوى الحزن يتراجع وتتقدم مستويات الرغبة في استمرار الحياة الطبيعية والتسامح .. وهو ماكانت سياسة الدولة قائمة عليه .. أي تبريد الجبهات وخاصة الغوطة التي صار بحكم المؤكد أن الجيش قادر على اقتحامها بدليل نجاحه في معركة حلب الكبرى .. لأن المعركة الأهم في تاريخ حروب المدن هي معركة حلب والتي ثبت أن الجيش السوري وحلفاءه أداراها ببراعة وعبقرية عسكرية .. ولاتساوي عملية اقتحام الغوطة كلها عملية اقتحام ربع الأحياء الشرقية لحلب حيث دارت أقسى أنواع المعارك وحرب الشوارع .. وكل ماتشيعه المعارضة أن تركيا تخلت عن حلب هو محض هراء .. فكيف تتخلى تركيا عن جوهرة المعارضة وجوهرة الحرب على سورية وجوهرة التاج العثماني المفقودة (ولاية حلب والموصل)؟؟ .. وقد افلحت الدولة في استثمار تبريد الجبهات في محيط دمشق لتجفيف الدم والدمع مما سهل كثيرا الغاء الوجود العسكري في محيط دمشق دون قتال لأن الدولة تريد الغاء الميول الثأرية قدر الامكان بتجفيف الدم .. فكل فكرة الثورة السورية قامت على أن الدم يجر الدم .. فجرى تثوير الناس في البداية عبر فبركات وتصوير عمليات قتل تمت بحق موالين على أنهم متظاهرون سلميون وكثيرا ماثبت لجوء غرف العمليات المعارضة الى قتل المتظاهرين بقناصين مهرة كانوا يقتلون المتظاهرين ورجال الأمن للايقاع بينهم وتولت الجزيرة والتنسيقيات عملية ترويج (الدولة التي تقتل ابناءها المطالبين بالحرية والعدالة) فقتل الناس رجال الأمن ورجال الشرطة ثم قتلوا بعضهم بحجة قتل الشبيحة والموالين الى أن كرّت سبحة الموت فصار الموت يجر خلفه الموت .. والدولة تدرك أن توقف الموت يقوي من اتجاه انهاء الحرب لانها عملية معاكسة لمنطق المعارضة والمؤامرة ..

 

ولكن توقيت العملية الرعناء المجنونة يطرح سؤالا ليست فيه وقاحة الا لمن ينكره وهو: هل كانت جوبر تثأر للطائرة الاسرائيلية التي أسقطت؟؟ ام أنها تترجم تهديد أفيغدور ليبرمان من أنه سيبيد سلاح الجو السوري؟؟ وكان يعني انه سيطلق ميليشيات المعارضة ضد هذه القواعد بدل ان يكلف نفسه عناء مواجهة قاسية معها وأثبت بالقول هذا التهديد انه سيجعل دمشق تدفع ثمن تحديها له .. فهو مستعد للقتال حتى آخر قطرة دم من دم الثورجيين المعارضين دون أن يضطر لدفع قطرة دم واحدة من اسرائيلي واحد .. والذي حدث فعلا أن جوبر وأخواتها دفعت ثمنا باهظا جدا ثمن تلك الطائرة لأن من المؤكد اليوم ان هناك عددا كبيرا من القتلى وأن الموت دخل بجثامينه الى معظم بيوت الغوطة .. فهناك لاشك فجيعة في الغوطة اثر معركة جوبر الأخيرة .. وماقاله لي قائد عسكري هو أنه لايستطيع أن يصدق لماذا يموت هؤلاء الشباب بهذا الشكل المجاني والعشوائي لأن ماحدث فعلا هو أن المساحة التي دخلها الارهابيون كانت تماما مثل الدخول طوعا الى ساحة الاعدام .. لأن طريقة الهجوم التقليدية للمسلحين باتت معروفة للجيش فهي تعتمد على الانتحاريين الذين يقتلون أنفسهم على الخطوط الاولى للجيش .. ولذلك تكون الخطوط الاولى دوما استطلاعية يتناوب عليها العسكريون فيما تكون الفخاخ مباشرة بعدها لتمنح للخطوط الثانية الفولاذية مساحة كافية للاستعداد وتكون الاوامر دوما هي اطلاق موجات من النار لاتترك للمهاجم فرصة للنجاة أو العودة سالما .. وهذا ماحدث في المعركة الاخيرة حيث أن التسلل كان ضمن المجال المتروك للموجات البشرية كي تدخل ساحة الاعدام ..

 

لايهم ماذا يريد أفيغدور ليبرمان من قواته في جوبر المهم أن الغوطة للاسف تمتلئ بجثامين القتلى وهم شباب سورية الذين يرمون الى التهلكة ويقتلون برصاص شباب سوريين يدافعون عن دمشق .. وأن عدد الثكالى واليتامى زاد كثيرا من اجل عيون ليبرمان وأردوغان وسلمان .. وهؤلاء لايبالون بمن يبكي وبمن ينزف طالما انه دم سوري يقاتل دما سوريا ..
مهما قيل في اسباب العملية الخائبة الحمقاء القادمة من الغوطة فان هناك حقيقة هي أن خيارات الدولة تقترب من مايسمى بخيار حلب .. الدولة تستعيد قوتها وعافيتها وشكيمتها .. والجيش السوري والحلفاء قرارهم واضح لا نقاش فيه وهو أنهم سيغسلون بالنار كل ماتلوث بقطع الليل العثماني والوهابي .. وسيقيم حمّامات النار لمن يمسك في قلبه قطعة من قماش وهابي .. وهناك من لايصدق ذلك ويعتقد أنه قد يربك الدولة هنا أو هناك .. ولاأملك لهؤلاء الا أن اقول بان الدولة لم تكن يوما بمثل قوتها اليوم .. والارهابيون لم يكونوا ضعفاء يوما كمثل ضعفهم اليوم .. انه الليل يواجه الفجر .. فمتى كان الفجر يعتذر عن الوصول؟؟ لقد وصلنا على عربات الفجر .. وهاقد ترجلنا .. وفي ايدينا النار .. وسنغسل بالنار النار .. ومن لم يصدق فليسال حلب أو فليسأل جوبر .. ففي جوبر الخبر اليقين ..
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=44371