مجتمع

العنصرية .. داء يهدد نسيج العالم


الاعلام تايم_يارا عاصي

مع تعدد أساليب التعذيب للإنسان بدافع التمييز العنصري، انبرى عدد من القائمين على المجتمع الدولي بغية تخفيف معاناة أناس لا ذنب لهم الا أن الله قد اختار لهم اللون.. فكانت اتفاقية دولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة وكان تاريخ نفاذها في 4 كانون الثاني/يناير 1969، وجميع ما جاء فيها من عبارات طنانة ورنانة، لم نشهد أي تغير في حياة البشر.. فالتمييز العنصري باق الى يومنا هذا ويمارس بشتى أنواعه على الشعوب المضطهدة، وكل الدول التي تعهدت بالقضاء على التمييز العنصري لم تتعهد بذلك الا على الورق.

قضية التمييز العنصري أهم وأخطر القضايا العالمية التي تؤثر على حياة الملايين من الناس في كافة أنحاء العالم، حيث يعاني العديد من البشر وبشكل يومي  ومستمر من الحرمان وعدم المساواة والتمييز والكراهية التي قد أسهمت بحدوث جرائم كبيرة، فيما أكدت بعض التقارير تفاقم جرائم العنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب المنحدرين من أصل أفريقي وغيرهم من الاقليات الاخرى.

مصطلح التمييز العنصري يستخدم للإشارة إلى الممارسات التي يتم من خلالها معاملة مجموعة معينة من البشر بشكل مختلف ويتم تبرير هذا التمييز بالمعاملة باللجوء إلى التعميمات المبنية على الصور النمطية وباللجوء إلى تلفيقات علمية، وهي كل شعور بالتفوق أو سلوك أو ممارسة أو سياسة تقوم على الإقصاء و التهميش و التمييز بين البشر على أساس اللون أو الانتماء القومي أو العرقي.

وحسب تقارير منظمة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فإن الدول الأكثر عنصرية في العالم تتصدرهم الولايات المتحدة الأمريكية في المركز الأول، وتأتي إسبانيا في المركز الثاني، وتأتي دولة جنوب أفريقيا في المركز الثالث، وفي المركز الرابع تأتي إسرائيل، وهي من الدول الأكثر عنصرية بالنظر إلى تاريخها الكامل للاضطهاد والإبادة الجماعية.

 

ومن الأسباب والعوامل التي أدت إلى تفشي هذه الظاهرة الخطيرة نجد  :

1) سوء فهم نظريات التطور التي حلت محل النظريات الدينية في تعليل وتفسير اختلاف البشر.

2) ضعف العقيدة الدينية بين المسيحيين بسبب الانتقادات التي وجهت إلى الكنيسة.

3) الإشاعات والأكاذيب التي روجها الاستعمار عن اختلاف الشعوب كتبرير لاستعمار الشعوب ويمكن أن تؤرخ للمرحلة التي ظهرت فيها العنصرية بشكلها الحالي بظهور الاستعمار الأوربي الذي اتخذها كتعليل في سبيل الاستغلال وإيجاد أسواق في الخارج لتصريف مصنوعاته، تعليلات ملفقة حيث حاول بعض الساسة الاستعماريون إعطاء تفسيرات دينية وعلمية لاختلاف الشعوب والدين والعلم بعيدان كل البعد عن تلك التفسيرات وروجوا إشاعات وأكاذيب باطلة، بين شعوبهم حول اختلاف الشعوب، فافترضوا أن الجنس الأبيض هو الجنس الأعلى وأن الجنس الأسود هو حلقة وصل بين القردة العليا وبين الإنسان الأبيض إلى غير ذلك من الإشاعات الباطلة، فرسخ في ذهن الناس أن هناك اختلافا جوهريا بين البشر فكان لكل ذلك أن تشبعت نفوس الأوروبيين بالحقد والكراهية للشعوب المغايرة لها.

وكان لذلك آثار سيئة على العلاقات الاجتماعية فيما بين أفراد المجتمع الواحد، وفيما بين المجتمعات الدولية وكان مما زاد الطين بلة أن بعض العلماء تأثروا بهذه الإشاعات فجاءت نظرياتهم العلمية إلى حد كبير كأنها صياغات نظرية لتلك المفاهيم الخاطئة عن اختلاف البشر كما هو الحال بالنسبة لنظرية التطور فيما ذهبت إليه من محاولة إيجاد تطور بيولوجي للإنسان عبر مراحل التاريخ، ولكن الانتروبلوجية الطبيعية والاجتماعية أثبتت بصورة علمية قاطعة أن الإنسان تطور في أنماط حياته وحضارته وليس في شكله الفيزيقي وأثبت الدراسات النفسية أن مستوى الذكاء ليس له ارتباط بالعنصر وأن نسبة الذكاء العالية وكذلك المنخفضة موجودة عند كل الشعوب.

 

باختصار العنصرية هي نتاج فقدان التربية على احترام الآخر أياً كان، والغريب أن بعض الذين ينتمون إلى ثقافة الحقوق يمارسون العنصرية ضد الآخرين مع أن مضامين حقوق الإنسان منذ أن بدأت تعتبر الناس سواسية والبشر إخوة فيما بينهم يسود الاحترام وتنتشر الأخوة والإحسان.

التناقض بين القول والفعل هو الذي ينتج كل السلوكيات الخاطئة ومن بينها سلوك العنصرية السيئ، وحين يهان إنسان فإن الإنسانية كلها تهان، كما أن من قتل نفساً فكأنما قتل الناس جميعاً.

 

ولا يزال فيروس العنصرية مستشريا بأشكاله القديمة والجديدة، وإن لم يتم القضاء عليه فسيظل يلوث حياة البشر وعلاقاتهم الإنسانية سواء على المستوى الدولي، أو الداخلي، في الكثير من البلدان والمجتمعات.

 

وأخيراً فإنه يفترض أن العدل يجب أن يكون هو المبدأ الحاكم للهيئة الاجتماعية ويطالب بإجراءات واسعة تتخذها الحكومات والوكالات الدولية ومنظمات المجتمع المدني من شأنها معالجة الغبن الاقتصادي على كل المستويات.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=13&id=44299