مجتمع

بين الأدب والنسب.. "كان أبي"


الإعلام تايم - خيرية أحمد


بين إلقاء التحية الصباحية وشرب القهوة العربية ومع الأحاديث الجانبية تبدأ الظاهرة الاستعراضية بكل ما فيها من جوانب وأشكال وعبارات، فنسمع "كان أبي، أنا ابن فلان، بابي هيك عودني" هذه الكلمات باتت تزداد وتزداد خلال التفاعل بين الناس بدون إدراك مدى أثرها على العلاقات الاجتماعية وعلى الشخص نفسه، متناسياً شخصيته التي تحمل العديد من السمات والخصائص والأعمال والانجازات التي تميزه عن غيره، وتترك له بصمة في حياته، وخير تأكيد على ما سبق قول: "إن الفتى من يقول ها أنا ذا.. ليس الفتى من يقول كان أبي".


للتباهي الاستعراضي مظاهر عدة، أولها التفاخر بالجمال والمال والنسب المبالغ فيه والذي يعود إلى اعتماد بعض الأسر تربية أبنائهم على التذكير الدائم بأمجاد وخصال الأجداد، ظناً منهم أن ذلك سيرسخ لديهم بعض الصفات الجيدة التي تساعدهم على مواصلة الحياة بثقة عالية في النفس، وتزيد من قدرتهم على مواجهة تحديات العالم، لكن قد ينقلب هذا الأمر إلى عكس ما هو مرجو منه، لأن تذكير الأطفال بمكانة آبائهم وأجدادهم بشكل مستمر يولد لديهم أفضلية وغرور، وإحساس بالتميز على العامة فهذا يجعلهم يزهون بأنفسهم وانتمائهم فيتصرفون مع من حولهم بدونية وتكبر، ويغلب على لسانهم مقولة "كان أبي".


حتى الأموات لم يسلموا من هذه الظواهر والمظاهر فاتباع ذويهم أساليب التفاخر بجلب أشهر الطباخات لتحضير الوجبات المكلفة وبناء القبور بديكور كالقصور التي همها الأساسي التركيز على فكرة "هذه قبر ابن فلان" للإشارة إلى المكانة والمستوى الاجتماعي الذي يعبر عنهم، وذلك حسب تفكيرهم ومنطق حياتهم.


واستشهاداً بمقولة "ما تَكبر أحد إلا لنقص وجدهِ في نَفسه"، يأتي المظهر الآخر من مظاهر التباهي، حيث يقوم المتباهون بشراء سلعة غير ضرورية لمجرد "التفشخر" باسم المنتج، وذلك لشعوره بالنقص أمام المجتمع المحيط به وليحقق رغبة الآخرين ويعمل على تكرس مفهوم الانتماء لهم باستخدام أساليب التكبر والتباهي غير المنطقي.


وبالنظر إلى الحياة اليومية للمتفاخرين نرى أنه حياتهم قائمة على التساؤلات التالية:
أي نوع سيارة نركب.. وأي ماركة للثياب نلبس؟  وأي أشهر مشروب نشرب.. وأي وجبة فاخرة نأكل؟ وفي أي منطقة نسكن.. وفي أي بلد سنقضي العطلة؟ وغيرها من التساؤلات الرامزة في ظاهرها على "البرستيج" و"الاتكيت" لمجتمع مشبع بالمظاهر، والدالة في عمقها على مستوى التفكير، مغفلين الأهداف الرئيسية والاساسية في الحياة.. ماذا انجزت؟ إلى أين وصلت في العلم والثقافة؟ هل أدبي وأخلاقي مع الناس هو سبب نجاح علاقاتي؟...... والكثير من الأسئلة التي تبين مفهوم الحياة والذات من منطلق أخلاقي مجتمعي سليم.


لذا قرر من ستكون، ليس من أجل التباهي أمام المجتمع بل من أجل ذاتك وسعادتك لأن المجتمع هو أشخاص وهؤلاء الأشخاص.. أنت تركيبة منهم.. وتأكيداً على ذلك الأبيات الأتية: 
كن ابن من شئت واكتسب أدباً                               يُغنيك محموده عن النَّسب
  فليس يغني الحسيب نسبته                                      بلا لسانٍ له ولا أدب

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=13&id=44298