وجهات نظر

بارانويا عثمانيّة

نبيه البرجي


الإعلام تايم - الديار

 


حقاً ضقنا ذرعاً بهذا الرجل. متى يعلن الحرب على المريخ؟

لا يمكن ان تنظر الى النظام في سوريا على انه نظام مقدس. مآثره لا تزال ماثلة امامنا, ولا يمكن ان نتصور ان ايران ساعدتنا على دحر الاحتلال لـ"وجه الله"، وانها غسلت يديها من التاريخ ومن آثام و(عقد) التاريخ...

لكننا واثقون أنه لولا رجب طيب اردوغان لما انهارت سورية، لتنهار معها المنطقة العربية بكاملها (من يقول لا؟)، ولولاه لما تمزق العراق الذي تنتظره بعد الموصل أيام عاصفة...

ها إن الصحافيين الذين ينقرون الدفوف حوله، ويشاركونه رقصة الدراويش، يكتشفون أن هولندا المسيحية كانت تحتل أندونيسيا المسلمة، وأن نابليون بونابرت احتل مصر وخليفته هنري غورو ضرب ضريح صلاح الدين في دمشق بحذائه...
قطعاً لم يستذكر الصحافيون إياهم مشانق جمال باشا في ساحة البرج وفي ساحة المرجة، وأن آباءه دفعونا الى خارج الزمن حين كان يفترض بنا أن نتفاعل مع عصر الأنوار في أوروبا، وكان للعرب فيه اليد الطولى، وأن ننخرط في ثقافة المداخن...

هذا لا يعني، في أي حال، تبرئة الغرب مما صنعت يداه. اليست الولايات المتحدة هي التي أرست في العالم العربي أنظمة القرون الوسطى، وأيديولوجيات القرون الوسطى. وقبائل القرون الوسطى، لكي تموت ثرواتنا بين قدمي شهرزاد أو على أبواب مصانع السلاح التي لولا العرب، وبداوة العرب، لأقفلت أبوابها...

رجل البارانويا. هكذا وصفوه في أوروبا. أي منطق أن تنظم اجتماعات جماهيرية في المدن الأوروبية، ويخطب فيها وزراء أتراك، من أجل حمل الجاليات التركية، المنقسمة على نفسها، على تتويج رجب طيب أردوغان سلطاناً في 16 نيسان المقبل؟ وماذا إذا اندلعت الاشتباكات بين الأتراك والأتراك وبين الأتراك والأكراد؟

وهل يحتاج الى استفتاء الرجل الذي دفع بآلاف الجنرالات والضباط والقضاة وأساتذة الجامعات إما الى المعتقلات أو الى المنازل، هكذا لمجرد الشك في أنهم شاركوا أو تعاطفوا مع انقلاب تموز؟

بكل بساطة، كان باستطاعته إعلان نفسه سلطاناً من المسجد الأزرق في اسطنبول، بعدما حلم بالوصول الى صهوة حصانه الى الجامع الاموي في دمشق والى جامعة المستنصرية في بغداد لكي يكتمل جناحاً السلطنة...

هل يقرأ أردوغان ما تكتبه الصحافة الأوروبية. اذا كانت هولندا، بثقافة الورود في امستردام والتي ينحني فيها الكاهن أمام اطفال اللاجئين، "جمهورية الموز" كما وصفها، ماذا يمكن وصف تركيا في عهده "جمهورية العصا" أم "جمهورية الغيب"؟

أي صوت يمكن أن يرتفع في تركيا حين يقيم رئيس الدولة الدعوى على ملكة جمال بلاده لأنها انتقدت، وبلغة مخملية، سياساته الداخلية؟

إذا كانت دولته مزدهرة فماذا يفعل 3 ملايين تركي في المانيا؟ وماذا يفعل مليون ونصف مليون تركي في هولندا؟

صحافية هولندية قالت "هؤلاء ضيوفنا، فلماذا يريد أردوغان تحويلهم الى جيش احتلال؟". هو الذي يعلم كيف يتم التعامل مع الأتراك في أوروبا أكانوا في ضيافة أنجيلا ميركل أم في ضيافة مارك روتي...
اردوغان توعد هولندا بالعقوبات ووصفها بعاصمة الفاشية. لن يستورد منها الورود ولا الحليب. ماذا اذا قال الهولنديون "... ونحن لن نستورد الأتراك؟".

لا بأس مارك روتي يظل أقل وهجاً من انجيلا ميركل التي اتهمها بالنازية وبدعم الإرهاب. السيدة التي فتحت ذراعيها للاجئين السوريين والتي لم تقم، كما أقام هو، معسكرات لأبي بكر البغدادي ولأبي محمد الجولاني، ولكل برابرة هذا الزمان، هي حفيدة ادولف هتلر. هكذا قال عبر الشاشات صحافي من حزب العدالة والتنمية...

ألمان ردوا "ها أن هتلر آخر يظهر بين أنقاض السلطنة العثمانية". ألم يفعل اردوغان في سورية والعراق ما فعله زعيم الرايخ الثالث في هولندا وبولونيا وحتى في فرنسا؟
رجل يكرهه كل العالم، لكنه الراقص المحترف. يعرف كيف يذهب بالأزمة الى حدودها القصوى ليستقطب النزعة الطورانية (أو العثمانية) لدى بني قومه. والمثير أن نقرأ أن رجل البارانويا قد لا يجد مناصاً في نهاية المطاف سوى أن يمد يده الى بشار الأسد معتذراً، ويخرج عبدالله أوجلان من زنزانته. تعال نتفاوض...

في رقصة الدراويش، لابد أن يخّر الراقص الأكبر مغشياً عليه!

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=44152