وجهات نظر

في الذكرى الـ 54 لثورة الثامن من آذار شمـس تشعّ على الحاضـر والمستقبل

محمد إسماعيل حديد


الإعلام تايم- آراء

 

لقد كان واقعاً سيئاً عاشته سورية بكل أبعاده ومراميه قبل أن تنسف ذلك الواقع ثورة الثامن من آذار، تلك الثورة التي قادها حزب البعث العربي الاشتراكي عام 1963. فقد عملت بكل جدارة لاستحقاقات الثورة، ونجحت في التغلب على تحديات ما بعد الثورة. ولاسيما في ظل حالة الإحباط الوطني والخواء القومي التي كانت طاغية على الساحة السورية في ظل التداعيات التي فرضتها جريمة الانفصال عام 1961.

فقد افتقد المجتمع السوري الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي بسبب كثرة الانقلابات العسكرية، التي انعكست سلباً على خطط التنمية والتطوير وسائر مرافق الحياة الأخرى، السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لذا تبنّت ثورة الثامن من آذار منذ قيامها أهدافاً عريضة وتطلعات طموحة تتؤام مع تطلعات وآمال الجماهير السورية والعربية على حد سواء.
كما وضعت ثورة الثامن من آذار في مقدم أولوياتها تحرير جميع الأراضي العربية المغتصبة، واستعادة الحقوق. وتحقيق العدالة الاجتماعية بين أفراد الشعب. ومع قيام الحركة التصحيحية المجيدة بقيادة القائد المؤسس حافظ الأسد، تجذّرت ثورة الثامن من آذار وتعمّقت أهدافها التي صانتها ورعتها حركة التصحيح المجيد.

 

إن ثورة الثامن من آذار المجيدة التي خرجت الحركة التصحيحية من بين قواعدها الحزبية ومناضليها المخلصين، وعدت فأوفت بوعدها. فكان انعقاد أول مجلس للشعب منذ نحو اثنين وثلاثين عاماً من التوقف، بعد أن جمدت حقبة الانقلابات المتتالية النشاط الدستوري في سورية. وتتالت، في ظل الثامن من آذار، الأدوار التشريعية بصورة منتظمة، مجسدة وبشكل عملي الديمقراطية المنبثقة من تراثنا، المتلائمة مع ظروفنا وواقعنا المستدام.

من هنا جاء المشروع الاستراتيجي النهضوي العربي الذي كرسته ثورة الثامن من آذار، ليكون شاملاً على ثلاثة صعد، هي الصعيد المحلي والعربي والدولي.
فعلى الصعيد المحلي، واجهت ثورة الثامن من آذار الأفكار الهدامة الناجمة عن التشويه المتعمد والتشهير المقصود بتجربة الوحدة المصرية – السورية بصورة مغرضة، في محاولة لترسيخ واقع الانفصال والتجزئة، الذي حاول الانفصاليون وداعموهم من غرب استعماري ورجعية عربية وكيان صهيوني محتل، تجذيره في الذهنية العربية بشكل عام والسورية بشكل خاص، كي يكون عاملاً لنبذ كل فكر وحدوي يرمي للتحرر من الهيمنة الاستعمارية، وتحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية. والقضاء على الظلم والفرقة.

لقد أزاحت ثورة الثامن من آذار عن كاهل الشعب العربي السوري كابوس الإقطاع وتحكم رأس المال، فضمنت للمواطن حقه في العيش بكرامة، بعيداً عن الاستغلال الطبقي الذي كان سائداً آنذاك، فكرست ثورة الثامن من آذار سيادة الدولة، وكرست الدولة سيادة المواطن ليصبح المواطن سيداً عزيزاً في وطنه.

 

لقد بنت ثورة الثامن من آذار الإنسان السوري العقائدي المقدام، وبنت معه جيشه العقائدي العظيم، الذي قاتل العدو الإسرائيلي ببسالة نادرة وبطولة فريدة إبان حرب تشرين التحريرية المجيدة. كما أوقف نزف الدم على الساحة اللبنانية خلال الحرب الأهلية، وقاتل العدو الصهيوني جنباً إلى جنب مع المقاومة الوطنية اللبنانية في عدوان 1982. وكان من أهم إنجازات ثورة الثامن من آذار المجيدة، هذا الجيش الملحمي العقائدي الصامد في مواجهة أقذر مؤامرة عالمية على سورية، والذي يحقق الانتصارات المتتالية على الإرهاب وداعميه ومموليه، على مختلف الاتجاهات والمحاور.

وعلى الصعيد العربي، جاءت ثورة الثامن من آذار دعماً للمشروع القومي من خلال تعزيز الفكر الوحدوي على مستوى الأمة، ورفع شعار التصدي بحزم للمشاريع الاستعمارية وللصهيونية العالمية والرجعية العربية، ورفض واقع التجزئة والفُرقة المفروض على أمتنا. فقد قاومت ثورة الثامن من آذار ضغوط حلف السنتو (حلف بغداد سابقاً) قبل حله عشية انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، حيث أرادت دول الحلف تعويض انسحاب العراق منه بعد ثورة تموز 1958 بإلحاق سورية عنوة بهذا الحلف المشؤوم.

ومع انطلاقة الثورة الفلسطينية عام 1965 قدمت ثورة الثامن من آذار كل الدعم والمساندة للفصائل الفلسطينية المقاومة.‏ وما زال نهج آذار يؤكد – رغم ما تعرضت له سورية – دعمه غير المشروط للشعب الفلسطيني في كفاحه المشروع لإقامة دولته الوطنية‏ المستقلة. وبسبب هذه المواقف الصادمة لأعداء العروبة، تحملت سورية الكثير من الضغوط الدولية والمؤامرات لإخماد جذوة الثورة التي أوقدها الثامن من آذار، ولاسيما أن لهذه الثورة الرائدة منهاجاً فكرياً وبرنامج عمل، جعلاها تشق طريقها في دنيا العرب، لتعتنقها شريحة واسعة من الشعب العربي في شتى بلدانه وأمصاره.

 

إنه قدر سورية أن تحمل الهمّ القومي العربي ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً. ففي الوقت الذي تفجّرت فيه الحرب الأهلية في لبنان 1975، ووقوع عدوان الكيان الصهيوني عام 1976 على جنوب لبنان واقتطاع شريط حدودي سمته "إسرائيل" "دولة لبنان الحر". ثم قيام الكيان الصهيوني بالعدوان على جنوب لبنان مرة أخرى عام 1982 والمضي قدماً حتى احتلال العاصمة اللبنانية، وفرض اتفاق الإذعان عليه في 17 أيار 1983.

إزاء كل ذلك لم يكن أمام سورية انطلاقاً من مبادئ ثورة آذار، إلا الوقوف إلى جانب لبنان الشقيق. فقد أوقفت نزيف الدم من جراء الحرب الأهلية، وعززت المقاومة في الجنوب اللبناني لمواجهة الغزو الصهيوني. كما قاتل جيشها ببسالة شهد لها العدو قبل الصديق أثناء العدوان الإسرائيلي الثاني على لبنان. وأسقطت اتفاق الإذعان المعروف باتفاق 17 أيار. ودعمت سورية المقاومة اللبنانية في الجنوب حتى طردت المحتل الصهيوني وعملاءه المأجورين، وتم تحرير جنوب لبنان من رجسهم. إن هذا الموقف القومي الثابت الذي وقفته سورية مع الشقيقة لبنان، يؤكد بوضوح التزام سورية بدعم الأشقاء العرب ووقوفها إلى جانبهم عندما يتعرضون لتهديد الأعداء، وذلك انطلاقاً من أهداف ومنطلقات ثورة الثامن من آذار المجيدة.

لقد فشلت كل المحاولات الاستعمارية والرجعية لحرف سورية عن خطها المقاوم، فقد رفضت سورية الخضوع للإرادة الغربية والصهيونية الرامية "لإجبارها" على التخلي عن العلاقة مع المقاومة اللبنانية والفلسطينية، ووقف التنسيق والتعاون مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهذا ما كان البيت الأبيض يشترطه في بداية الأزمة في سورية، ثمناً لإنهائها وحلها على الطريقة الأمريكية.

وعلى الصعيد الدولي، تواصلت ثورة الثامن من آذار مع الشعوب الصديقة والمحبة للعدل والحرية والسلام. وفي الوقت نفسه تصدّت لأذرع الدول الاستعمارية في سورية، ممثلة بشركات النفط الأجنبية، حين تم في تشرين الأول 1964 تأميم كل الموارد النفطية والثروات الباطنية في سورية، يعزز هذه الخطوة صدور قانون يحظر منح امتيازات لأي شركة أجنبية بسبب ضرورات تلك المرحلة في الكفاح ضد كل أشكال الاستعمار الحديث.‏ يضاف إلى ذلك بناء أطيب العلاقات مع الدول التقدمية والاشتراكية المناهضة للاستعمار وأذنابه، وقد حاولت بعض القوى اليمينية الانقضاض على ثورة آذار وحرفها عن مسارها الوطني والقومي، إلا أن حركة 23 شباط 1966 أعادت للثورة ألقها، وحافظت على خطها الوطني والقومي المستهدف من أعداء سورية في الداخل والخارج.

إن العمل بمنهج الثامن من آذار لا يعني العمل بظروف وعقلية ومعطيات ذلك اليوم. وإلا كان هذا جموداً في المكان. كما أن العمل بمنهج ثورة الثامن من آذار لا يعني نسف ما حققه الآخرون بحجة التقدم والتغيير. لكنه يعني البناء على ما تقدم، مع الفهم الدقيق للظروف الراهنة والمستجدة للوصول إلى الغايات النبيلة التي نادت بها ثورة الثامن من آذار.

 

إن شمس الثامن من آذار عام 1963 وشمس يوم التصحيح في السادس عشر من تشرين الثاني 1970 توأمتا، فشكلتا إشراقة مختلفة، لم تشهدها بلاد العرب من قبل. فقد شملت منجزاتها مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والعسكرية والتنموية والإنشائية، ما شكل الأرضية الصلبة للانطلاق نحو بناء سورية المتجددة.

وكما بات معلوماً للجميع، فإن مستقبل سورية لا يقرره سوى أبنائها، ومهما كثرت الضغوط وتعدد الأعداء المتربصون، فلا انحراف عن المبادئ، ولا انحياز عن الأهداف التي قامت لأجلها ثورة الثامن من آذار المجيدة. فسورية ماضية في تصديها للمخطط الأمريكي الصهيوني وأدواته في الداخل والخارج، حتى يتحقق الانتصار الكامل، وتعود سورية أقوى من سابق عهدها.

 

وقد أثبتت سورية العروبة وهي تمر بالذكرى الرابعة والخمسين لثورة الثامن من آذار، أنها بعد ست سنوات من الحرب الإرهابية عليها مازالت على العهد. فهي اليوم أكثر تمسكاً بمبادئ الثورة، وأشد إصراراً على المضي قدماً لتحقيق أهداف الأمة العربية القومية، وأكثر صموداً وصلابة في مواجهة العدوان والمخططات الرامية لتمزيق الأمة ونهب مقدراتها.

إن سورية بتضامنها جيشاً وشعباً وقيادة، ستعبر هذه الأزمة وستكون أكثر قوة والتزاماً بمصالح الشعب والأمة.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=44001