وجهات نظر

شراع: جنيف 4 .. اختراق وافتضاح

خميس بن حبيب التوبي


الإعلام تايم -الوطن العمانية


 

الصيغة التي توصل إليها مؤتمر جنيف الرابع تجاه حل الأزمة السورية والمتضمنة أربع نقاط رئيسية وهي: الحكم والدستور والانتخابات ومكافحة الإرهاب، يمكن أن تمثل الأرضية الملائمة التي سيقف عليها جميع المتفاوضين لبلورة حل سياسي يليق بسورية، ويبحث عنه جميع السوريين الشرفاء تجاه وطنهم ومجتمعهم بما يحافظ على فسيفساء نسيجه ومكوناته، وعلى سيادة الدولة السورية واستقلالها ووحدتها.

لا أحد منصفاً تابع تفاصيل الأزمة السورية يمكنه أن يتجاهل رحى الإرهاب التي تطحن كل يوم أبناء الشعب السوري، وأن هذا الإرهاب ومنتِجيه ومشغِّليه وداعميه أساس الأزمة والسبب الحقيقي والرئيسي في استمرارها، بل وإطالة أمدها لكي تأتي على سورية كل سورية، فلا تدع حجراً على حجر. كما أن هذا الواقع المر ليس اكتشافًا أو يمثل عناءً للتفكير السوي في ظل تواتر الاعترافات والمواقف من قبل منتجي الإرهاب وداعميه ومشغِّليه لا سيما تنظيم "داعش" النسخة المنقحة من تنظيم القاعدة الإرهابي، بأنه معتمدهم في إسقاط الدولة السورية، وأنهم تفاجأوا بالقدرة الهائلة للدولة السورية (شعبًا وجيشًا وقيادةً) في استيعاب طوفان المد الإرهابي الماثل في النسخة الإرهابية الجديدة المسماة "تنظيم داعش"، وما توالد بعد ذلك من الرحم الأم (وأعني به القاعدة) مثل ما يسمى تنظيم "جبهة النصرة" و"أحرار الشام" و"جيش الفتح" وغيرها العديد من المسميات التي ما أنزل الله بها من سلطان، ولا تمت مسمياتها بصلة إلى طبيعة سلوكها الإجرامي وأيديولوجيتها المنحرفة والشاذة.

لذلك يظل الإرهاب ومنتجوه وداعموه ومشغِّلوه لب الأزمة، والمعرقل لتطلعات الشعب السوري التي يسعى إلى تحقيقها، وبالتالي فإن مستقبل سوريا وشعبها مرتبط بتوقف هؤلاء عن نهجهم هذا، وإذا لم تحصل استدارة ملموسة، وتصدر إدانة واضحة للإرهاب بمختلف ألوانه وتنظيماته من قبل المنتجين والمشغِّلين والداعمين، فإنه لا يمكن رؤية تحول ملموس حيال الأزمة لا في جنيف ولا في أستانا ولا حتى على سطح القمر.

وعلى الرغم من الاختراق الذي حققته مفاوضات مؤتمر جنيف الرابع ونتائجه بالتوصل إلى بيان أو بالأحرى جدول أعمال يتكئ على أربع نقاط أو سلات، يمكن أن تسير وفقها المفاوضات القادمة، وأن تسهل الحوار السوري ـ السوري، وتقرب وجهات النظر إذا ما عُبِّدَتْ طرق التفاوض بالنيات الحسنة من قبل منصات المعارضات وخاصة منصة معارضة "الرياض"، إلا أن المؤتمر بنتائجه سلط الضوء على حقيقتين:
 

الأولى: الكياسة والحرفية والذكاء والفهم لدى الوفد الحكومي السوري بقيادة الدكتور بشار الجعفري، وذلك من خلال الفهم العميق للبيانات والقرارات الصادرة ذات العلاقة، سواء كانت البيانات الصادرة عن مؤتمر جنيف أو فيينا أو أستانا، والقرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي وتحديدًا القرار 2254، وهو ما يؤكد الفرق الكبير من يحمل همَّ قضية وطن ودولة وشعب ومستقبلها، وبين من يحمل أجندات وإملاءات وشروطًاً ورؤى تخدم مشاريع ومخططات لا تبغي للشعب السوري ووطنه خيرًا، بل تتربص بهما الدوائر، وهذا ما بدا من خلال الجهل الواضح بمواد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 من قبل بعض منصات المعارضات التي جاءت مدفوعة بإغراءات المال لتقفز على حقائق الأشياء، وعلى مواد القرار الأممي، فبدت مستعجلة في بعثرة الدولة السورية، وهذه العجلة كشفتها على حقيقتها أمام الشعب السوري قبل أي أحد، كما أعتقد.
 

الثانية: إن الإرهاب لا يزال يراهن عليه في إسقاط الدولة السورية، ويحظى بدعم لافت، حيث بدا ذلك من خلال التنصل عن الموافقة على سلة مكافحة الإرهاب من قبل بعض المنصات، وهذا موقف بدوره يفرز بين معارضة وأخرى وفي موقعها وصفتها كمعارضة وطنية أو غير وطنية.

في معطيات نتائج مؤتمر جنيف الرابع، وتحديدًا حول جزئية الإرهاب وحالة الاتفاق والرفض على مكافحته، هناك ـ في تقديري ـ حقيقة لطالما أكدتها الحكومة السورية، وهي أن ما يحصل في سوريا هو إرهاب كوني موجه وعابر للحدود يستهدف سورية بأكملها، وبعثرة التركيبة الفسيفسائية الرائعة التي تتميز بها، وبالتالي لو تراخت الحكومة السورية عن القيام بدورها، وتركت الحبل على الغارب للإرهاب ومنتجيه ومشغِّليه وداعميه، ليعيثوا فسادًا في أرض سورية، لكانت سورية الدولة أثرًا بعد عين؛ لذلك ما يجبر الخصوم على طاولة التفاوض رغم مجاهرتهم بدعم الإرهاب والدفاع عنه هو الإنجازات اللافتة للجيش العربي السوري وحلفائه لقطع الأحبال السرية العديدة التي تغذي الإرهاب وتنظيماته.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=43950