وجهات نظر

جنيف4 المتعثر... على وقع الإرهاب المستمر

د. أمين محمد حطيط


الإعلام تايم - الثورة

لقد تراخت الأمم المتحدة وبالتنسيق مع اميركا مدة 10 أشهر امتنعت خلالها عن الدعوة لاستئناف اجتماعات جنيف بعد ان انسحب منها وفد ما يسمى "المعارضة السورية" – الذي مثلت يومها بمنصة الرياض-وغطى دي مستورا انسحابهم بالإعلان عن تأجيل الاجتماعات الى اجل لم يحدد، وكان واضحاً يومها أن التأجيل كان مرده اختلال موازين القوى في الميدان لصالح الحكومة السورية، ما يعني أن المفاوضات إذا استمرت لن تفضي الى إعطاء ممثلي العدوان على سورية شيئاً جوهرياً يتطلعون اليه.‏

وفي فترة التوقف عن تحريك العمل على المسار السياسي ، تابع الجيش العربي السوري و حلفاؤه العمل ضد الإرهاب في الميدان و حققوا نجاحات زادت من أرجحية الحكومة السورية ، ما رفع منسوب الخشية والقلق في صفوف معسكر العدوان على سورية ، فردت تركيا بالتدخل العسكري المباشر في سورية بذريعة حماية أمنها القومي عبر منع الأكراد من تحقيق الاتصال بين المناطق التي يسيطرون عليها في الشمال الشرقي السوري و المتواجدين فيها في الشمال الغربي لسورية ، و خشية أن تواجه تركيا ردة فعل تمنعها من تحقيق أهدافها باحتلال أرض سورية ، استجابت للدعوة الروسية بالانضمام اليها و الى إيران في مثلث يرعى وقف العمليات القتالية و يوجه الجهود لمحاربة الإرهاب .‏

ولقد وجدت روسيا ، و بعد الاستجابة التركية لدعوتها ، و جهوزية إيران للعمل في مسعى يوقف القتل أو يخفض من ضراوته ، و مع انشغال أميركا في عملية انتقال السلطة الى رئيس جديد ، وجدت روسيا أن الباب بات مفتوحاً لتحقيق خرق على المسار السياسي للحل ، ووضعت خطة العمل على وجهين الأول تثبيت وقف العمليات القتالية ، و الانصراف الى قتال الإرهاب بقوى تحشد من المعسكرين معاً ( معسكر العدوان و معسكر الدفاع) و أما الثاني فيتمثل بتحريك اجتماعات جنيف 4 للخوض في المسائل السياسة مع التمسك بأولوية القتال ضد الإرهاب .و على هذا كانت اجتماعات أستانا 1 ثم 2 لمعالجة الوجه الأول من الخطة ، و كان لا بد من استئناف جنيف 4 للسير في العمل السياسي .‏

وكان من الطبيعي أن يكون النجاح على الوجهين مشروطاً بجدية الفريق الآخر والتزامه بتنفيذ موجباته في كل شأن، وهنا كان من البديهي أن تكون تركيا وأميركا في طليعة من يطلب منهم هذه الجدية والالتزام كون الأولى تملك أكثر من ثلثي أوراق دعم الإرهاب واستمراره على الأرض السورية، أما الثانية فهي التي تمسك خفية أو علانية بالقرار العدواني من أصله.‏

انعقد اجتماع استانا في حلقته الأولى وحقق نجاحاً مقبولاً للانطلاق نحو إنشاء آلية لمراقبة وقف العمليات القتالية ومعالجة خرقها رغم المشاركة الضعيفة والشكلية لأميركا فيه، لكن الأمم المتحدة أحرجت بهذا التحرك واضطرت لتحديد موعد لاستئناف جنيف 4 حددته بعد 3 أسابيع من استنانا 1 ثم أجلته لأسبوعين إضافيين لتدعو اليه في 2322017. واستمرت روسيا جادة في تحركها على خطي أستانا وجنيف ليتكامل العمل مساريهما معاً.‏

في اجتماع استانا 2 ظهرت "المفاجأة" بخاصة في الموقف التركي، ما منع من الخروج بنتائج بمستوى الآمال المعقودة. حيث تراجعت تركيا عن الالتزام مجدداً أو الوفاء بتعهداتها السابقة ، و بدت بعد الاتصال الهاتفي بين الرئيس الأميركي ترامب و رئيسها اردغان ، بدت أنها تنقلب على التزاماتها و تتحرك في اتجاه لا يتناسب مع مفهوم استانا 1 و تمضي و بدعم أميركي هذه المرة في تنفيذ ما كانت تطالب به من منطقة آمنة في شمال سورية تكون تحت سيطرتها المباشرة و تكون وفقاً للتوصيف العسكري منطقة سورية تحتلها القوات التركية .أما أميركا فلم تجد ما يدعوها للحماسة في المشاركة في آستانا بفعالية لأنها غير مستعدة أيضاً لتسهيل عمل روسيا في هذا المجال .‏

في ظل هذه الأجواء كان التحضير لجنيف 4 وظهرت العوائق تباعاً، أولاً في تشكيل الوفد السوري المعارض الموحد (والمعرضة أكثر من منصة وعنوان) ثم في جدول الأعمال ومع دخول الموعد كانت عوائق حول الأمور الإجرائية وكان واضحاً أن هذه العوائق كلها تأتي من جانب معسكر العدوان وفريقه المنتدب الى الاجتماعات. وكان ظاهراً أن هذا المعسكر وبتوافق مع ممثل الأمم المتحدة الراعية للاجتماعات لا يريد الوصول الى حل أو حتى وضع إطار أولي يحدث خرقاً في الشأن وأن تردده أو امتناعه عائد الى الأسباب ذاتها التي جعلته ينسحب من جنيف 3 قبل 10 أشهر. ثم كان الحضور الأميركي الضعيف في جنيف 4 يدل دلالة واضحة أن الأمور غير جاهزة لديهم الآن للعمل السياسي. ومع هذا أبدى الوفد الحكومي السوري مرونة وحزماً متلازمين، ما فاقم احراج مكونات معسكر العدوان.‏

هذا المشهد في جنيف 4، أظهر أن معسكر العدوان بحاجة الى شيء كبير في الميدان يمكنه من الضغط والابتزاز، ولهذا في هذا اليوم الأول المقرر لبدء الاجتماعات، سجلت في الباب السورية استعادة لمسرحية جرابلس في اجراء عملية تسلم وتسليم للمدينة من يد "داعش" الى يد الجيش التركي، ولم يكتف معسكر العدوان بذلك إذ أنه وفي اليوم الثالث قام بعملية إرهابية نوعيه في مدينة حمص ضد مركزين أمنيين داخل المدينة.‏

هذه الوقائع معطوفة على السلوكيات الأممية والأميركية وربطاً بالخلافات الحادة بين منصات المعارضة المتعددة أكدت أن معسكر العدوان لا يريد حلاً في سورية ترضى به الحكومة السورية، وأن الحل الذي يريده هو واحد من اثنين أما استلام السيطرة على كامل سورية ولذلك لا تفارق مواقفهم مقولة "الانتقال السياسي" وأن "لا دور للرئيس الأسد في مستقبل سورية " (وهم يعلمون أنه كلام يثير السخرية)، أو الذهاب الى التقسيم الذي عبر عنه بخطة المناطق الآمنة والذي يجري العمل عليها شمالاً وجنوباً وشرقاً. ولأجل هذا كان العدوان الإرهابي في حمص من أجل استدراج الحكومة لردة فعل ميدانية تتخذ ذريعة لهم من أجل إسقاط "وقف العمليات القتالية" وقطع الطريق على جنيف 4، والعودة الى حرب الاستنزاف عبر مقولة إطالة أمد النزاع حتى تستسلم سورية وهو مطلب إسرائيلي.‏

إن الوقائع المثبتة من سلوك مكونات الإرهاب و العدوان على سورية تشي بأن جنيف 4 لن يقدم شيئاً لسورية طالما أن الفريق الآخر مصر على العدوان وأنه يراهن على الميدان لصنع أمر واقع يريحه و لهذا كانت خطة المناطق الآمنة التي بدأت في الشمال بيد تركية و الآن يعد لانطلاقها في الجنوب بيد أردنية إسرائيلية تنفذها قوات مسماة درع الجنوب على غرار درع الفرات التركية ، و مع هذا فإن سورية و من باب سد الذرائع تشارك في جنيف4 و تدير ملفاتها بالحزم الذي تفتضيه المصلحة السورية استراتيجياً و تتابع التصدي و المواجهة في الميدان بما يقتضيه الموقف لإسقاط خطة العدوان الأخيرة .‏

وبالتالي نرى أن ظروف الحل السياسي لم تنضج لدى معسكر العدوان ولهذا فإن العدوان مستمر بأساليب متنوعة بين إرهاب مباشر كما حصل في حمص أو احتلال مقنع أو مباشر كما يحصل شمالاً بيد تركية، ويحضر جنوباً بالتعاون بين الأردن و"اسرائيل"، لكن سورية واعية للأمر و لهذا تشترط ــــ و هي محقة في ذلك ــــ الاتفاق الفعلي و الجدي على محاربة الإرهاب كأولوية تتقدم أي بحث سياسي وفي الوقت ذاته تؤكد جهوزيتها لإسقاط الخطة الجديدة كما أسقطت خطط العدوان خلال السنوات السن الماضية خاصة وأنها ومع حلفائها اليوم في وضع أفضل وقدرات
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=43811