تحقيقات وتقارير

الجامعات السورية أمام تحدّي المجهول.. فهل تستعيد عصرها الذهبي!؟


الإعلام تايم - نسرين ترك

تضجّ وسائل التواصل الاجتماعي بالحديث عن تصنيفات عالمية تشغل فيها الجامعات السورية مراكز متأخرة.. في وقتٍ يتراجع فيه ترتيب جامعاتنا عاماً بعد آخر..

ففي السنوات الأخيرة برزت العديد من الجهات المتخصصة في ترتيب الجامعات حول العالم، حيث شغلت العديد من الجامعات العربية والشرق أوسطية مراكز جيدة كنتيجة للاهتمام المتزايد بالتعليم العالي والبحث العلمي..

لكن أين أصبحت مراكز الجامعات السورية اليوم، وما صحة ما أُشيع خلال الأيام الماضية حول خروج الجامعات السورية من تلك التصنيفات العالمية.. وماهي الإشكاليات الرئيسية التي تقف أمام قطاع التعليم العالي في سورية.. ؟

 

"غياب الجامعات السورية عن بعض التصنيفات العالمية"

مؤشر shanghai ranking والذي يقوم بشكل رئيسي بتصنيف الجامعات الـ500 الأفضل في العالم، غابت عنه أيّ جامعة سورية منذ انطلاقته في العام 2003.. فالبعض يرى أن ما تشهده سورية من حرب ودمار منذ العام 2011 يلعب دوراً أساسياً في تحجيم إمكانيات البحث العلمي والتعليم العالي، إلّا أن العديد من المؤشرات التي شملت أفضل الجامعات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كمقياس top universities،  لم تحتل فيها الجمعات السورية أيّ مرتبة، مع العلم أن هذه المؤشرات احتلت فيها جامعات عراقية وفلسطينية وسودانية مراكز متقدمة.. وهي بلاد تُعاني من مشاكل متعددة على كل الأصعدة.

 

"مقاييس رديفة"

ونتيجة لاختفاء الجامعات السورية من المقاييس العالمية والتي تعمل على تصنيف الجامعات، تم اعتماد مقاييس رديفة للوقوف على ترتيب الجامعات السورية..  ورغم وجود عدة تصنيفات عالمية، إلا أن المعايير المتفق عليها لتصنيف الجامعات على اختلاف مسمياتها تتقاطع في نقاط كثيرة كجودة التعليم و ذلك بمعرفة عدد الخريجين الحاصلين على جوائز للإبداع العلمي ، جودة التدريس، نتائج البحوث، مدى التواصل مع المجتمع بما في ذلك التواصل مع القطاعات الصناعية والاقتصادية، وغيرها.."

وعلى وقع الأخبار التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي حول خروج الجامعات السورية من أيّ تصنيف عالمي، نفى رئيس جامعة دمشق د.حسّان الكردي كل تلك الشائعات، مؤكداً أن الشهادة السورية لازالت شهادة معترف بها، وموضع احترام في الغرب.

وقال في تصريح له: "لازلنا نجتمع مع السفراء الأوروبيين لتأميين عدد من المنح، فرغم الحرب مازالت جامعاتنا تقوم بالتدريس وتخريج عدد كبير من الطلاب، وكل ما تم تداوله غير صحيح ويندرج ضمن الحرب الإعلامية المُشنّة على سورية". 

كما أنّ مديرية القياس والتقويم في وزارة التعليم العالي نشرت مؤخراً قائمة بترتيب الجامعات السورية وفق ترتيب "الويب ماتركس"، وهو تصنيف عالمي حصلت جامعة دمشق على المرتبة 4500 من بين  أفضل 25000 جامعة في العالم.

 

"مفكرون يدقون ناقوس الخطر"

في زمن طالت فيه الحرب كل جوانب حياتنا ونالت من مواردنا وثرواتنا الفكرية والمادية، برزت أصوات بعض المفكرين ممّن دقوّا ناقوس الخطر، ومن تلك الأصوات الكاتب "حسن م يوسف" الذي كتب في صحيفة الوطن تعليقاً على حفل تخرج الدفعة الثالثة من كلية الإعلام أنّ: "كليات الآداب لاتخرج أدباء وكليات الإعلام لا تخرج إعلاميين.."، من جانبه كتب الأستاذ في جامعة تشرين د.أحمد عيسى في صفحته على "فيس بوك": "ونحن نضيف أن أقسام الفلسفة لا تخرج فلاسفة، وأقسام علم الاجتماع لا تخرج علماء اجتماع، وأقسام التاريخ لا تخرج مؤرخين، والكليات العلمية لا تخرج علماء وهكذا.. والسؤال الأول لماذا يحصل هذا؟ والسؤال الثاني ماذا تخرّج الجامعات؟ والسؤال الثالث:ما هو مبرر وجود الجامعات إن لم تكن جامعات؟ ".

كما يُرجع البعض الأسباب العملية  لتراجع المستوى العلمي البحثي الإبداعي في جامعاتنا السورية إلى عدم تفريغ الأستاذ الجامعي لكتابة الأبحاث و نشرها، إذ أن الأستاذ يضيع وقته في دوامة التصحيح و الأعباء التدريسية و لا يبقى له من الوقت متسع لفعل أي شيء، فيتحول من باحث جامعي يبحث ويُحلل ويبدع إلى مصحح للأوراق الامتحانية وغيرها من الأعباء القاتلة للبحث والتطوير العلمي. 

وتواجه هذه المشكلة كبريات جامعات العالم، لكن بعض الجامعات أوجدت حلولاً فعالة و ذلك بالسماح لأستاذ جامعي كل عامين أو ثلاثة بأن يأخذ إجازة مدفوعة الأجر للتأليف والنشر .

 

"تاريخ عريق ومستقبل مجهول"

بالوقوف على تاريخ جامعة دمشق فهي الجامعة الوحيدة في العالم التي تدرّس كل علومها في كل فروعها باللغة العربية. كما أنها أول جامعة حكومية في الوطن العربي، إذ تأسست نواتها الأولى (المدرسة الطبية بفرعيها الطب البشري والصيدلة) عام 1903. ثم صار اسمها الجامعة السورية عندما أضيفت إليها مدرسة الحقوق عام 1923.

لكنها باتت اليوم أمام تحد نهضوي يقع على عاتق كل مسؤول وكل أستاذ جامعي وكل طالب للعودة بجامعاتنا إلى حيث تستحق وإلى حيث تستحق سورية.. فليس هناك من سبيل للعودة ببلادنا إلى الحياة إلاّ بالعلم والبحث العلمي مترافقاً بالأخلاق والإبداع والقوة..

فلا شكّ أن تراجع مستوى التعليم في سورية من شأنه أن يُضعف مُساهمة الأجيال القادمة في بناء المجتمع السوري،  كما ستنعكس سلباً على كثير من القضايا من حيث الموارد البشرية السورية، لذلك فإن تطور الجامعات السورية والارتقاء بالبحث العلمي بحاجة إلى جهد جاد وحقيقي.. فلا بُدّ من جعل البحث العلمي اللغة الوحيدة في الجامعات، وأن يقوم الأساتذة الجامعيون بدورهم كباحثين حقيقيين، ليصبح كل طالب باحثاً، وتنشيط الأبحاث عن مشكلات سورية وقضايا المجتمع،  لتخريج أجيال سورية تُسهم في بناء الحضارة سورياً وعالمياً.

 

 

 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=43638