مجتمع

بين تلون الحرباء ومراوغة الثعلب ترقد خفافيش الظلام


الاعلام تايم _ خيرية أحمد


"يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب"، خير تجسيد للمشهد الدرامي اليومي لأحد الأشخاص، واللافت في السيناريو تكرار اللقطة الريائية النفاقية في كل جلسة، حيث القناع "الماسك" اللزج المتلون الذي يرسم الحلاوة ويعطي بعض النضارة ويخفي العيوب، ويشع بريق أو لمعة عيون المكر والخداع، مع بعض العبارات والكلمات المؤثرة كـ"حبيبتي، مافي منك، انتي عيوني، شو بتنحبي، بتستاهلي كل خير" الممزوجة بالإيماءات المقنعة كـ "زم الشفاه، الضحكة الصفراوية، الربت على الكتف لإظهار المحبة والحميمية"... هذه لقطة بسيطة من مشهد يلبس فيه ممثله دور الناصح والمحب في الظاهر ويبطن الحسد والبغضاء والغش والخديعة والخيانة، ويوصف متقن الدور بـ "ذي الوجهين".


حديثهم شيء وحقيقتهم شيء آخر
استشهاداً بمقولة "المخادع ذئب يبكي تحت أقدام الراعي" فإن للنفاق أشكال ومظاهر عدة منها، عدم الثبات والتذبذب في المواقف حسب الأشخاص لتحقيق الانتفاع الشخصي والمنفعة الذاتية  والوصول للسلطة والمكانة، التلون كالحرباء عند إبداء الرأي المخالف للقناعات وخصوصاً التي تظهر الوجه المخالف للمضمون والجوهر الذي يعكس الانحراف عن القيم والمعايير الاخلاقية، ومن المظاهر أيضاً السكوت عن الخطأ والتملق لنيل الرضى خوفاً من الفقدان والخسارة لمن هم في موقع السلطة واتخاذ القرار، حيث يطغى المديح بصفة مغايرة عن الحقيقة رغم تعدد الأخطاء والسلبيات، وهذا المثل "المنافق قوله جميل وفعله الدّاء الدّخيل" يؤكد الشكل الأخر للنفاق هو إظهار التشجيع والحب للناجحين والمميزين في الوقت نفسه يصاحب المنافق الحسد والحقد لكل مبدع وصاحب طموح عال، بالإضافة إلى أنه يعمل على تشويه صورته أمام الآخرين.


نفاق المرء من ذلّ يجده في نفسه
الشخصية غير المتزنة وغير الناضجة من أبرز صفات الشخص المنافق بالإضافة إلى أنه يظهر المحبة ويبطن الكره ويتبع النميمة والاغتياب، وهو شخصية ضعيفة حيث يستخدم النفاق من أجل إثبات الذات التي تعاني من عدم الثقة بالنفس والشعور بالدونية والانانية والحقد والكذب بشكل مستمر لتحقيق المبتغى وبالتالي يتصف بالوصولية والتملق والاستحقار والخداع الذاتي قبل المجتمعي والخذلان والتلون وعدم الثبات على مبدأ ورأي بل يدور حسب مصلحته.


من شب على شيء شاب عليه
يبدأ النفاق منذ الصغر ويزداد خطورة مع الكبر حيث أنه يعود للتنشئة الاجتماعية غير السليمة في الخمس سنوات الأولى من الطفولة، فعندما يلجأ الوالدين إلى تربية أبنائهم على أساليب الكذب والخداع والنفاق ويكونون قدوة ونموذج غير إيجابي وبالتالي يحاكي الفرد سلوك والديه ويتقمص شخصياتهم، بالإضافة إلى وجود بعض صفات النفاق التي تدعمها البيئة الاجتماعية المحيطة من زملاء ورفاق السوء وطبيعة العمل الهشة، كما أن تعرض الفرد إلى بعض المواقف القاسية والضغوط النفسية وعدم قدرته على مواجهتها بشكل مناسب لضعف في شخصيته يلعب دوراً في اتباع النفاق.

 

المنافق كالخفاش المتخفي الذي يظهر في الظلام ليفترس دماء الأحياء ويعيش عليها بغابة النفاق، فلا يوجد أقبح من الإنسان الذي يكون ذا وجهين ويتعامل مع الناس على هذا الأساس، وخير ما يشخص هذا الحالة الاستشهاد بالأبيات التالية:
لاخير في ورد امرئ متملق         حلو اللسان وقلبه يلتهب
لاخير في ورد امرئ متلون        يميل مع النعماء حيث يميل.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=13&id=43579