تحقيقات وتقارير

هل تخلت البالة عن عشاقها الفقراء؟


الإعلام تايم - رنا الموالدي


من طولة البال التي يجب أن يتحلى بها الزبون ليحظى بما يريد، والبائع لكي يبيع ما لديه أتى اسم "البالة" ففي حي "الإطفائية" في قلب العاصمة  بسطات الملابس تفترش الأرضيات التي ينتظرها عدد لا بأس به من الناس للذهاب إلى تلك المنطقة من أجل شراء ملابس مستعملة لا يشغلهم بها سوى انخفاض أسعارها حيث توفر عليهم عناء الملابس الجاهزة وما أصابها من غُلوٍ كبير..


ويمضي الزبائن في هذا السوق وقتاً طويلاً للشراء، يبدأ باختيار ما يلبي احتياجاتهم، وصولاً إلى المفاصلة على السعر الفن الذي يجيده التجار والمشترين سواء.."سوسن"  التي بدت منهكة باختيار بنطال وبلوزة من "البسطة"، تحدثت لموقع "الاعلام تايم" عن ولعها بالألبسة المستعملة ورخص أسعارها وامتداح جودتها، فيكفي أنّها "أوربية المصدر ولا تبلى بسرعة، لتتدخل أخرى مؤكدة أن الموضوع ليس مرتبطاً بفقر الحال، وإنما بالبحث عمّا هو جيد، فهي تحرص ألا تضيّعَ نقودها بلا طائل.


على الجانب الآخر والدة تبحث عن حذاء جيد في أحد الصناديق فهي لاتملك الإمكانيات المادية التي تخولها شراء الأحذية ذات النوعية الأفضل الموضوعة على الرفوف قائلة "تدهشك حقاً الأسعار هناك على الرفوف، بينما تلك التي كدست في الخارج داخل الصناديق هي أرخص سعراً، إذ أنها ذات نوعية متردية وقد تشوبها  العيوب"


الأمر لم يقتصر على البسطات  بل تعد ذلك  ليكون هناك الصالات التي كرّس التجار بيوتاً دمشقية واسعة لعرض بضائعهم والتي تشمل الألبسة  والأحذية، والحقائب بأنواعها.. ولدى دخولنا الصالات نرى مشهداً مختلفاً عن حال البسطات الصغيرة، حيث تبدو البضاعة مرتبّة، مكويّة، ومفروزة بحسب الجودة، مع توفر غرفة للقياس شارحاً صاحب الصالة أن الزبائن لا يقتصرون على الناس الفقراء، فثمّة زبائن يرتادون السوق من مختلف المستويات الاجتماعية والمقتدرون منهم يجدون ضالتهم في بضاعة تصافي المصانع والمولات الأوربية، فهناك بضائع معروضة تصلنا مع كرت المبيع .


أحد التجار الذي يعمل في هذه المهنة منذ سنوات، يخبرنا قائلاً  "تأتينا البضاعة عن طريق التهريب، وهناك أناس معنيون ومختصون يقومون بهذا العمل بنقلها من الحدود ودفع قيمتها ونقوم كتجار بشرائها عن طريق هذا الوسيط ويتم فرزها وإعادة توضيبها، مشيراً أن الأسعار تحدد حسب نظافة البضاعة وجودتها  فهناك الصنف الأوّل والثاني  المعروف بـ"الكريم وسوبر كريم" مؤكداً أن هناك إقبالاً كبيراً على شراء البالة في هذه الأيام وهناك أصناف وأنواع تناسب الجميع مطالباً بضرورة استيراد البالة بطرق نظامية كي تدخل الأموال التي تذهب للسماسرة والتجار إلى خزينة الدولة.


بالمقابل المواطنون الذين التقيناهم يشتكون أيضاً من ارتفاع أسعار الملابس والأحذية هنا في سوق "البالة" بحيث صارت تنافس أسعارها أسعار بعض الملابس الجديدة إضافة إلى الإتهامات القائلة أن هناك أغراض يتم عرضها بسعر أرخص استحوذ عليها في ظاهرة يطلق عليها اسم "التعفيش" دون استيفاء تلك البضاعة للشروط الصحية.


مكان "سوق البالة" تغيّر أيضاً في دمشق،  فاليوم بدأت تنتشر محلات تعرض الألبسة المستعملة إلى جانب الجديدة منها، ، في الأسواق الدمشقية الأخرى، كـ "الصالحية والطلياني.."  هكذا قررت "سعاد"  تحويل محلها من بيع المكياجات لـ "البالة"، وكشفت عن سرّ هذا التحوّل بالقول" بينما كنت أرغب بشراء جاكيت وجدت ما أريد عند أحد أصدقائي من تجّار الملابس المستعملة وبسعرٍ غير قابلٍ للمنافسة، مقارنةً بالبضائع الجديدة وأمام دهشتي من حركة البيع التي لا تهدأ عرضت عليّ الشراكة وحدث ذلك بالفعل وفوجئت بحجم الإقبال على بضاعتي".


وأخيراً،غزت أسوق الألبسة المستعملة العالم الافتراضي من خلال إنشاء عدة مجموعات عبر موقع "فيسبوك" للترويج لألبسة أو حاجيّات يريد أصحابها بيعها، بسبب عدم حاجتهم إليها بداعي السفر أو تحت ضغط الضائقة الاقتصادية..


ربما هناك مفهوم خاطئ عند بعض الناس أن ملابس البالة هي حكر على شريحة معينة أي للفقراء فقط ..مفهوم يلامس إلى حدّ ما الصواب ولكنه لا يشمل التعميم.. فألبسة البالة أصبحت أساس اعتماد الفئة الغالبة من السوريين بعدما أعيتهم هموم الحياة كأحد الحلول البديلة التي يبتكرها السوريون يومياً، للتعايش مع ظروف قاسية تفرضها عليهم الحرب، ويجتهدون لدفع أضرارها لتصبح موضة الأغنياء وسترة الفقراء والأسئلة التي تطرح نفسها الآن.. هل الضائقة الاقتصادية التي تمر فيها البلاد وراء الازدياد الكبير لمحلات بيع الألبسة المستعملة ، ومن هم رواد البالة هل فعلاً الفقراء كما نسمع، أم غيرهم؟

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=43498