تحقيقات وتقارير

ولـ"المعاش"من اسمه نصيب.. مريض يحتاج للإنعاش


الإعلام تايم - ربى شلهوب 

 

"مريض يقف على حافة الموت يحتاج إلى إنعاش" بهذه الكلمات وصف السيد محمود المتقاعد راتبه الشهري الذي لا يتجاوز 20 ألف ليرة  سورية، متسائلاً بحرقة كيف يمكن لهذا الراتب أن يكفي لمدة شهر واحد في ظل هذا الغلاء الفاحش، مؤكداً أن هذا التعويض لن يكفيه لتغطية أدويته وبعض الحاجات الضرورية ليبقى على قيد الحياة.

 

بينما ابن الثالثة والثلاثين مروان، بدأ حديثه "الحالة تعبانة يا ليلى خطبة مافيش" لينطلق بعدها إلى تعداد همومه التي لا تعد ولا تحصى "لم أستطع الزواج حتى اليوم بسبب عدم قدرتي على تأمين مسكن إن بالايجار أو الشراء الذي بات حلماً مستحيل التحقيق، فأنا أعيش مع والديّ وأخوتي الثلاثة ، وهم أصغر مني، ومسؤوليتي كبيرة تجاههم، فهذا واقعي ولا مجال للتغيير في ظل هذه الظروف مع "ما عاش" لا يتجاوز 40 ألف ليرة سورية.

 

شكاوي كثيرة أفرغت في جعبتنا من غلاء أسعار البضائع وتدني الأجور حيث أن الغلاء وصل إلى حد مبالغ فيه، هذا الوضع الصعب يلقي بظلاله على مختلف الطبقات الاجتماعية في مجتمعنا، إلا أن موظفي القطاع العام يعتبرون القسم الأكثر تضرراً من هذا الوضع، فبمقارنة بسيطة بين متطلبات واحتياجات الحياة بالواردات والرواتب، نجد الفرق الشاسع بين الرواتب والمصاريف.

 

"بعد سنوات ست من الحرب على سورية ارتفعت أسعار البضائع كثيراً، إلا أن الرواتب بقيت على حالها، ولم تعد كافية لتوفير احتياجات أسبوع واحد"هذا ما أكدته المواطنة عفراء الموظفة في القطاع العام وهي متزوجة من موظف أيضاً وبسبب الغلاء وتدني الرواتب يضطر زوجها للقيام بأعمال إضافية إلى جانب عمله ليتمكن من توفير أدنى مستوى من الحياة لأسرتهما".

 

"العين بصير واليد قصيرة، نشعر بأننا نعيش في حالة ظلم كبيرة"، تقول.. ابنة العشرين عاماً هناء كانت طالبة جامعية اضطرت إلى ترك جامعتها لأنها لم تعد أسرتها النازحة قادرة على تحمل مصاريفها، فنزلت إلى سوق العمل باكراً لتتقاضى ما يسد أجرة غرفة صغيرة لها ولأسرتها " أنا كفتاة اليوم أشعر بأن حياتي توقفت منذ 6 سنوات".

 

"ما إلنا غير نتدين" المواطنة  سميرة وهي موظفة تقول" الراتب لا يكفي أسبوع واحد من الشهر ونقوم بصرفه فور أخذه لشراء مؤونة البيت واحتياجات أطفالنا لتبدأ آنذاك الديون بالتراكم علينا، وعند قبض الراتب نقوم بإيفاء الديون وهكذا دواليك، نتمنى بأن يرتفع مردود الدخل".

 

وقال حسام، موظف في القطاع العام، " لكل من اسمه نصيب وهو أخذ كل شيء من اسمه "ما عاش"، وراتبي لم يعد يكفي حتى للحاجات الأساسية"، ليضيف أن مستويات المعيشة وصلت إلى الحضيض وخاصة لذوي الدخل المحدود كموظفي القطاع العام، جراء ارتفاع الأسعار الجنوني حيث وصل بعض منها 5 أضعاف سعره، وتراجع قيمة الليرة أمام الدولار ما أدى إلى تراجع القوة الشرائية للمواطن بشكل كبير خلال الأزمة.

 

"إلى الحضيض" كلمة بقي صدى رنينها في مسمعنا، مما دفعنا للاطلاع على دراسات عالمية اقتصادية أجريت مؤخراً، أظهرت أن حاجة الأسرة السورية المتوسطة "5 أشخاص" تقدر بنحو 142500 ليرة، كحدّ أدنى شهرياً، للبقاء على خط الفقر العالمي، وذلك وفقاً لمعايير الفقر العالمية التي حددها "البنك الدولي".

 

علماً بأن جهود فريق "البنك الدولي" تركزت في الأيام الماضية، حول رفع خط الفقر من 1.25 دولار للفرد في اليوم إلى 1.90 دولار، ما يتوافق مع تطور الفروق في تكلفة المعيشة حول العالم.

 

ووفقاً لارتفاع سعر الصرف مؤخراً في السوق السورية، يصبح خط الفقر للفرد بحدود 950 ليرة يومياً، وبذلك لا تقلّ حاجة العائلة السورية عن 4750 ليرة في اليوم الواحد، ما يعادل 142500 ليرة في الشهر، لتكون على خط الفقر العالمي، في حين تحتاج رقماً أكبر لتكون على خط الفقر المحلي.

 

وحسب "البنك الدولي"، يستخدم خط الفقر العالمي الجديد بيانات محدّثة للأسعار لرسم صورة أكثر دقة، لتكلفة الاحتياجات من الأغذية الأساسية والملابس والمسكن حول العالم، أي أن القيمة الحقيقية للخط الجديد 1.9 دولار بأسعار اليوم، هو الخط القديم نفسه 1.25 دولار المستخدم عام 2005

.

وفي دراسة أخرى أعدها باحث اقتصادي سوري نشرتها صحيفة الاخبار، تُبيّن أن تأثير الحرب على معيشة المواطنين، الذين بات 89% منهم "تحت خط الفقر المدقع"، وهذا يشكل المنعكس الأخطر للحرب، إذ يلاحظ أن نسبة الدخل للغالبية العظمى من المواطنين لا تصل إلى 20% من حجم الدخل، وهذا الواقع يتطلب رفع الأجور بنسبة ثمانية أضعاف على الأقل ليصل المواطن إلى مستوى معيشته قبل الحرب.

 

إذاً كيف سنردم الفجوة الحاصلة بين رواتب الموظفين وبين الحد الأدنى اللازم للمعيشة، وهل يستطيع المواطن السوري، مع كل ما يحيط به من حصار عالمي وربما محلي، مهما تسارعت خطواته في الجري وراء لقمة عيشه أن يتخطى خط الفقر ويصبح العداء الرابح؟!

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=43216