وجهات نظر

عهد ترامب؛ رؤية جديدة… أم ماذا؟

د. قحطان السيوفي


الإعلام تايم -الوطن

دونالد ترامب الرئيس الـ45 للولايات المتحدة؛ دخل إلى البيت الأبيض، وهو أقل رئيس شعبية للولايات المتحدة، وفق استطلاعات الرأي، مصطحباً معه عدداً من الملفات القابلة للانفجار.
التوجهات السياسية والفكرية، والسمات الشخصية والجذور الاجتماعية والطبقية للرئيس ترامب تكاد تمثل النقيض التام لكل ما يعبر عنه أوباما.

رفع ترامب شعار "أميركا أولاً" برؤية جديدة للحكم، تعيد "السلطة إلى الشعب"، ويتمتع بالمكابرة والتحدي ويؤكد محو الإرهاب المتطرف عن وجه الأرض.
يبدو أن عهد ترامب أشبه بلغز يتأهب له العالم ومشروع تفاهم واتفاق مع روسيا على ضوء نوع من الواقعية السياسية وتنافس المصالح.

من الواضح أن انتخاب ترامب أثار جدلاً، وولّد مشاعر صدمة وتوتر ولاسيّما أن فريق عمله الحكومي المُحدَث يضم شخصيّات عسكرية وأصحاب البلايين ممن تنقصهم الخبرة الجماعيّة للإدارة المدنية.
وبانتظار القادم؛ لابد من قراءة لكيفية مواجهة العديد من المواضيع الداخلية والخارجية ويبقى الترقب والحذر سيدي الموقف، ولاسيما أنّ القلق إزاء ترامب ناتج بمعظمه عن تكهّنات، ولا يستند إلى أي تصريحات جازمة بشأن السياسات التي سيعتمدها في عالم القطبية الثنائية.

حدة الانتقادات التي طاولت ترامب بلغت حداً غير مسبوق في الصحافة وأوساط المثقفين. الإعلامي في "نيويورك تايمز" بول كروغمان الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد، وضع عنواناً الأسبوع الماضي "مع كل عدم الاحترام اللازم"، متوجهاً إلى الرئيس المنتخب بلائحة اتهامية كاملة.

الاجتهادات في شأن سياسات أميركا في عهد ترامب باتت اليوم رهن الواقعية السياسية والاعتبارات الجغرافية– السياسية والمصالح الأميركية. واقعياً لكل رئيس أميركي القدرة على التأثير في مسار السياسة الأميركية الداخلية والخارجية، لكن الولايات المتحدة دولة كبرى لديها مؤسساتها التي لا يتحكم بها فرد واحد مهما كان. ترامب المثير للعالم بدأ مشواره الصعب. مثلاً داخلياً، سيعمل على استبدال نظام "الرعاية الصحية" التي أطلقها أوباما بنظام أقل تكلفة، لكنه سيصطدم بمعارضة واسعة من الديمقراطيين داخل الكونغرس وخارجه.

ومن الأمور التي تثير قدراً مماثلاً من القلق والغضب لدى شعوب أوروبا والعرب؛ إعلان ترامب نيته نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وهذا لن يكتفي بوضع حدّ نهائيّ لحل الدولتين، وإثارة المزيد من غضب العالم العربي فقط بل سيسهم أيضاً في دعم القوى المؤيّدة للتنظيمات الإرهابية كـ "داعش" وأخواتها.

يبقى السؤال مفتوحاً حول حجم التأثير الفعلي للشرق الأوسط الذي يشهد انخفاضاً في أسعار النفط، والصراع الإسرائيلي- الفلسطيني في مفهوم ترامب المنحاز لإسرائيل.
بعض المحللين يرون أن سورية لن تكون في صدارة أولويات الرئيس الجديد سوى من البوابة الروسية. لن يكون الاتفاق النووي مع إيران في طليعة الإجراءات ضدها إنما ستكون إيران تحت المراقبة نووياً وإقليمياً وعلى ضوء العلاقة الأميركية– الروسية… وقد يصبح هذا موضع مواجهة سياسية لفظية وليس مشروع مواجهة عسكرية.

لا أحد من الذين شاهدوا المؤتمر الصحفي لـ ترامب قبل تنصيبه يُمكنه الإدعاء بمعرفة كيفية إعادة ضبط العلاقات الأميركية مع روسيا. ترامب يُصر على أنه يريد التفاهم مع بوتين ثم يُضيف "إنما يمكن أن يختلفا".
بعض المراقبين يتوقعون تفاهما بين ترامب وبوتين يُعيد النظر بمفاهيم جنيف والعملية السياسية في سورية، وفي كل الحالات سيكون موضوع مكافحة الإرهاب في صلب التفاهم الأميركي الروسي وخاصة أن الدولة السورية تتصدى عملياً لمحاربة الإرهاب دفاعاً عن سورية والعالم.

يبدو أن بوتين وترامب يريان أن العالم هو مكان أكثر أمناً عندما تجد الولايات المتحدة وروسيا طريقة للتعامل مع الخلافات بينهما في إطار نوع من الواقعية الجغرافية السياسية.
بقدر غموض ترامب بشأن ما يُريده من الكرملين، فإن أهداف بوتين واضحة وضوح الشمس. تبدأ مع المشكلة الأوكرانية وفي دعم الدولة السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد، وتستمر مع رفع العقوبات الاقتصادية على موسكو، وتنتهي مع تراجع نسبي للولايات المتحدة في أوروبا، وإنشاء دائرة النفوذ الروسي في أراضي الاتحاد السوفييتي السابق.

عندما يتحدث المسؤولون في الكرملين عن بنية أمنية جديدة لأوروبا فإنهم يقصدون الحد من الوجود الأميركي. الحرب الباردة انتهت، من خلال هذا المنظور، جورجيا، وروسيا البيضاء، ومولدوفا، وآسيا الوسطى فضلاً عن أوكرانيا، أقرب إلى موسكو. من جانبه، حلف الناتو عفا عليه الزمن في رأي ترامب… وبإمكان الأوروبيين الدفع مقابل أمنهم.

عالم بوتين وترامب، هو عالم تحل فيه المصالح الوطنية نسبياً محل القواعد والأعراف الدولية… لننتظر لنرى ماذا سيفعل ترامب الذي دخل إلى البيت الأبيض منذ أيام. وهل عهده رؤية جديدة… أم ماذا

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=43087