تحقيقات وتقارير

عن "سلام".. قهر يومي واغتصاب "شرعي"


الإعلام تايم - نسرين ترك

بخطىً مُتثاقلة تسير "سلام"  في إحدى شوارع دمشق ليلاً.. تئنّ بصوت تحاول إخفاءه وعلى وجهها كدمات وجروح تشي الدماء النازفة منها بعمق قهرٍ ومعاناة.. بخوف تحاول البحث عن مأوى لتقضي ليلتها التعيسة فيه..

 

يرتعش جسدها النحيل الضعيف من برد كانون إلا أن لهيب جروحها جمّد إحساسها.. فابنة الـ13 عاماً تعيش منذ بداية زواجها تحت وطأة عنف وقسوة زوجها الستينيّ.

 

منذ خمس سنوات نزحت عائلة "سلام" من إحدى قرى ريف حلب ولجأت إلى مركز إيواء في دمشق، إلاّ أنَّ الوضع الاقتصادي كان مرهقاً للعائلة التي فقدت كل ماتملك جرّاء الحرب ووجدت نفسها تحت سقف غرفة واحدة ضاقت بهم، ليجد الأب في تزويج طفلته لرجل ذي مال "طوق نجاة" للخلاص من الضغوط الاقتصادية..

 

وبـ"القانون" بات مُباحاً لزوجها "الشرعي" أن يمارس كل أنواع العنف خلف جدار منزل "الزوجية" الذي حلّلته قسوة الحرب وظلمها.. وهناك كانت الطفلة  تنزف كل يومٍ من جروحً طالت روحها واستنزفت قدرتها على الحياة.. ولا شيء يخفّف من آلامها المتصاعدة يوماً إثر آخر..  آلام باتت تروي حكايا تختبئ خلف جدران الصمت والخوف و"وصمة العار "، وما الذي سيقول المجتمع إن هربت من جلادها..

 

تتشابه حكايات زواج القاصرات وإن اختلفت تفاصيلها فلطالما يتم دفع مبلغ من المال لعائلات فقيرة مقابل الحصول على بناتهن الصغيرات،  حيث تؤكد إحدى الناشطات العاملات في جمعية أهلية تُعنى بتعنيف النساء أن حالة الفقر واللجوء والنزوح من المدن والقرى، أدّتا إلى ظهور أنماطٍ جديدةٍ من الانتهاكات ضدّ المرأة لم تكن سائدةً من قبل في المجتمع السوريّ، وإن كانت موجودةً فقد كانت تشكل حالاتٍ فرديةً محدودةً للغاية..

 

ففي ظل الأزمة الإنسانية الطاغية في سورية غدا أكثر من 12.22 مليون شخص في حاجة للمساعدات الإنسانية، وبحسب التقرير الأخير الصادر عن الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية فإن 85% من الشعب السوري يعيش ضمن خط الفقر. 4.3 مليون شخص بحاجة للإيواء، واضطرار نصف السوريين لترك منازلهم.

 

لكن، هل يُحلل الواقع الكارثي الذي تعيشه البلاد والعباد اللجوء إلى جرائم أعظم.. لتصبح الصغيرات زوجات في غفلة من طفولتهنّ.. ومن ثم سيصبحن أمهات، والأخطر فهو ضلوع رجال دين في شرعنة اغتصابهنّ، فلا وجود لإحصاءات دقيقة يمكن أن تعطي صورة واضحة عن ظاهرة تزويج القاصرات، خاصة وأنّ قسم كبير من هذه الزيجات تتم خارج إطار المحاكم الشرعية وبعيداً عن أيّ عملية توثيق.. لتغدو مثل هذه القصص من يوميات المآسي الإنسانية التي يعيشها الشعب السوري..

 

أمّا في الإطار "الشرعي" وبحسب تصريحات سابقة للقاضي الشرعي الأول في دمشق فقد بلغت عدد معاملات زواج القاصرات دون سن أهلية الزواج (17 سنة للفتاة في سورية) بلغ "أكثر من نصف" المعاملات في دمشق وريفها خلال سنوات الحرب، وحوالى ربع حالات الزواج من القاصرات المعروضة على المحكمة الشرعية كانت تفتقد حضور ولي الفتاة، حيث برز دور معقبو معاملات الزواج الذين أخذوا  يحتالون على القانون عبر تعليم الفتيات القاصرات حججاً وأساليب مبتكرة، تنجح في جعل القاضي الشرعي يوافق على تسجيل زواج الطفلة بغياب حضور والد الفتاة إمّا لسبب الوفاة أو تفريق شمل العائلة .

 

"سلام" واحدة من آلاف النساء والفتيات اللواتي يتعرضن لعنف يزداد عليهنّ في أوقات الحرب واللواتي يقعن ضحية انخفاض مستوى الوعي حول حقوق المرأة.. فالطفلة التي كانت تحلم بأن تكون كغيرها من الفتيات المتعلمات والعاملات، حرمتها "السترة" التي أرادها لها والدها في سن مبكرة من "طموحات" كثيرة..

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=43040