وجهات نظر

"زوابع" ترامب و"تسونامي" الهلع

علي قاسم


الإعلام تايم -الثورة

لا تزال العديد من التصريحات والمقاربات التي أقدم عليها الرئيس الأميركي -الفعلي بعد أقل من أربعة أيام- يغلب عليها طابع الزوابع، سواء تلك التي كانت تنطلق من اعتبارات انتخابية بحتة أم التي جاءت في سياق مقارباته لكثير من القضايا، وتحديداً ما يتعلق بتلك التي تبدو إشكالية في الطرح كما هي معقدة في المضمون، وفي مقدمتها علاقة أميركا بحلف الناتو ومبررات وجوده، وصولاً إلى العلاقة الأميركية الأوروبية وجوارها، مروراً بما هو أبعد وليس انتهاء بالمنطقة.‏

فالمحسوم أن الحلف موضع خلاف واضح في أجنداته.. وحتى الغاية من بقائه، بعد أن تجاوز الزمن مبررات وجوده الأولية التي كانت قائمة ومسوّقة في ظل الحرب الباردة، وطرح ترامب يقف في منتصف الطريق الوعر الذي لا يزال يشكل هاجساً مقلقاً ومرعباً لأوروبا، التي ارتضت أن يكون الحلف قاطرتها على المشهد العالمي، وظلت تتحامى به لتبرير وتسويغ حضورها على الساحة الدولية، بل في بعض جوانبه كان أحد أهم الذرائع كي تبقى أوروبا السياسية مجرد تابع يدور في الفلك الأميركي.‏

العلاقة المريبة التي نشأت بين أوروبا والحلف تحكمها الكثير من الفوالق السياسية والمنعطفات التي اتكأت عليها أوروبا لإخفاء عجزها تارة، وللتعبير عن أطماعها الاستعمارية تارة أخرى، وبقي الحلف عصاها المسنودة إلى الذراع الأميركية، ولم تتردد في استخدامه بعد طول تلويح كلما كانت ترغب في تأديب هنا أو تبرير هناك حين يعجز العقل السياسي الأوروبي عن تبريره، أو عندما تفشل أوروبا ومعها أميركا في فرض شروط هيمنتها أو تحقيق أطماعها.‏

ورغم الأسئلة الملحة والحائرة أحيانا عن أبعاد التمسك بوجود الحلف، فإن المقاربة الغربية أصرت على الاجترار في الموقع ذاته، وتخندقت خلف زوبعة المخاطر والتحديات التي تهدد الأمن القومي للغرب، الذي اتسع إلى حدود التورم وبات بإمكان المفهوم أن يشمل الكرة الأرضية قاطبة ببرها وبحرها.. وبأرضها وسمائها، وتحوّل في حقبة الأحادية القطبية إلى ذراع للعدوان والضغط والتهويل والتخويف وممارسة العنجهية تحت ذرائع وعناوين وشعارات بالغت في تقمص الحالة، بحيث إن فائض القوة الغربية أمام تراجع القوى الأخرى جعل استخدامه ذريعة تصلح للكبير والصغير وعكازاً لأطماع واستطالات فردية وجماعية على حد سواء.‏

الهلع الأوروبي من الطرح الأميركي وصل إلى حد الترويع من النتائج والتحديات التي برزت كجزء من إشكالية العلاقة المقبلة، والتي تشي بصدام لن يكون مقتصراً على وضعية الحلف ومستقبله، بقدر ما يعكس هاجس العلاقة الأوروبية الأميركية ككل، والتي يبدو أنها تتجه نحو ثنائية التشبيك بدل النظرة إلى أوروبا كقوة واحدة أو إلى الاتحاد الأوروبي، وهذا يعيد التحالفات الغربية إلى تخندقها الأول خلف ستار التشكيلات الناتجة عن مقاربة تبدو حتى اللحظة غير تقليدية، من قبل ترامب وفريقه، وجميعها على الأقل لا توحي بالطمأنينة الغربية، بل تثير عواصف الغرب كله وخشية تعيد ترتيب الأولويات الفردية على حساب الناتج الجمعي للعلاقة.‏

زوابع ترامب وإن بدت أنها الإرث الانتخابي المتبقي أو تراكمات ما تبقى من شعارات اقتضتها المنافسة للوصول إلى البيت الأبيض، فإنها قابلة للتلاشي في أي لحظة، ومحكومة حتى اللحظة بترسبات علاقات أميركا الخارجية، ومدى الحاجة الأميركية لأوروبا في الملفات الأخرى، التي يريد ترامب إثارتها على عجل منذ لحظة وصوله إلى البيت الأبيض، وهذا ما دفع بالبعض الأوروبي إلى التريث بالتعليق على ما قدمه ترامب، فيما التصعيد الألماني والتحذير له أسبابه، ومبررات الهلع البادية تعود إلى حذر الإرث الألماني وحسابات المعادلة في المواجهة مع روسيا.‏

الدخول الروسي على خط التأكيد على ماضوية الحلف التي عفا عليها الزمن، لا يعود فقط إلى العلاقة المريبة والشكوك المتبادلة حول النيات وما بعدها التي تربط موسكو بالحلف ودوله وأعضائه فقط، خصوصاً بعد العداوة المفرطة وحالة الاستفزاز التي مارسها الحلف بكثير من العنجهية، بل أيضاً إلى سياق يكاد يقود إلى الحصيلة ذاتها، وهي أن المقاربة غير المعتادة لدى ترامب تطرح أسئلة وتحديات وتثير زوابع تقابلها عواصف لا تقف عند حدود مستقبل الناتو ولا علاقته بأوروبا، بل أيضاً في تسونامي يجتاح كل القضايا التي كانت حتى وقت قريب مسلمات في العرف الغربي، وبديهية في معادلات تحالفاته وأحلافه، وركيزة في عقلية عدائيته، وربما قاعدة لم تشذ عنها السياسة الأميركية في تعاطيها مع القضايا الدولية، طوال عهد هيمنتها، ريثما تتبلور الخطوات وتتحول التصريحات إلى ممارسة، والمواقف إلى أفعال..!!‏

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=42867