وجهات نظر

باختصار: "داعش" تحت جلودنا

زهير ماجد


الاعلام تايم_الوطن العمانية
كم مرت "دواعش" عبر تاريخ المنطقة، بدأت تحت جلودنا ولم نشعر بها إلا في اللحظة التي صار لها حضور وكيان وقدرة على المنازلة. كل من ينكر أن "داعش" الحالي تربى بيننا وتحت جلدنا وعاش سنين يقتات من أفكارنا ليصنع رجالاته بطريقته وبثقافته وبفهمه العسكري الذي لم نعهده لدى جيوش أخرى قاتلناها في السابق .. فـ"داعش" لا يعرف التراجع ولا الدفاع، تربيته العسكرية هجومية فقط، من هنا نفهم معنى خصوصية هذا الأسلوب الذي له أكثر من فهم عنده .
المقاتلون العراقيون من جيش وحشد وقوى أخرى يعرفون هذا الأسلوب ويضعون له الأفخاخ والخطط اللازمة، لكنه في الوقت نفسه بحاجة إلى وقت زائد كي تستطيع تلك القوى العسكرية أن تحسم. وماذا لو حسمت، هل ينتهي الأمر وتتلاشى القوة الإرهابية الأكبر في تاريخ منطقتنا منذ مئات السنين، أم أنها محطة ولسوف تعبر، فيما يظل "داعش" تحت جلودنا، لا يبارحنا أبدا، بانتظار ما ستتفتق عنه المنطقة حين يحين التغيير لصالحه؟
لا شك أن الجسم العربي مثله مثل جسد الإنسان، كلما أصابه الوهن والضعف خرجت من بين أنامله ما كانت موجودة في الخفاء. الجسد الصحي المليء بالمناعة الكافية يظل يقاوم إلى أن يفقد قدرته، عندها تغزوه الأمراض، تماما كحال العرب اليوم، وهم في حالة خراب ومرض، فليس غريبا أن تأتيها أرتال الإرهاب من كل صوب وأن تغزوها بهذه الطريقة .. لكن المهم أنها تدافع عن خيارها الوحيد وعن قيمها ومستقبل أجيالها، ومن الواضح أنها لن تتخلى عن هذا الدفاع المستميت، وقد صار عمره سنين، وربما يحتاج إلى سنين أخرى، لكنه لن يعني أن الإرهاب سوف يباد وينقرض ولن يبقى له وجود بقدر ما سيعود إلى المرحلة التي بدأ منها وتطور مسرعا نحو أهدافه .
منذ بدايات المؤامرة على سورية ظن كثيرون أن كذبة الإصلاح هي السبب، فإذا بالأيام تكشف الحقيقة، وبأن سورية تتعرض لمؤامرة كبرى تطول وجودها بكافة وجوهه، وبأن العراق الذي داسته البساطير الأميركية وحررته من صدام حسين سيتحول إلى بلد نموذجي، فإذا به أمام تهديد خطير لوجوده أيضا، وكذلك الحال مع ليبيا، واليوم اليمن، ولا ندري غدا من هو المطلوب رأسه. القصة باختصار أن هنالك شبها كبيرا بين الخطط التي تطول الأقطار العربية، وتسعى لفرطها من الداخل ومن الخارج، كما تسعى لكتابة تاريخ جديد وضعه الأميركي بعقل إسرائيلي ومباركة بعض العرب، بل باندفاع منهم .
ربما كل مؤامرات التاريخ على الأمة العربية بدأت بهذه الطريقة ثم تطورت لتصبح خطرا على كيانها الوطني والقومي. عديد من قادة العرب المسلمين الأوائل تنبهوا لهذا المفهوم، فصنعوا جيوشا لها أهميتها في تلك المرحلة وقادوها إلى النصر كما فعل صلاح الدين ومثله الظاهر بيبرس وقطز وغيرهم. ليست المرة الأولى التي ما يشبه "داعش" يقفز إلى واجهة الأحداث ليصنع مرحلته الخاصة، ومن ثم ليلغي تماما ما كان موجودا .. التاريخ الإسلامي العربي يعطينا الدليل على المقاومة المستمرة لهكذا ظواهر، وبالتالي فإن "داعش" الحالي لا بد جاء من غابر الزمان، وجلس كما قلت بين جلودنا متحينا الفرصة التي جاءته، وهكذا فعل .

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=42783