الإعلام تايم -الوطن العمانبة لا ينفك القاع الأميركي يغور في كل مرة أبعد مما كان متاحًا له، ويغالي ـ رئيسه المنتهية ولايته ـ كما في كل مرة ـ في المباهاة بما يعتبره إنجازات على الصعيد الداخلي والخارجي في خطاب الوداع الذي ألقاه يوم أمس في شيكاغو، المدينة التي رسم فيها سيرة حياته المهنية، وأصبحت معقله السياسي، حيث خصص باراك أوباما ـ أول رئيس من أصول إفريقية في تاريخ الولايات المتحدة ـ القسم الأكبر من خطابه الوداعي للدفاع عن الديمقراطية وإعطاء جردة لإنجازات السنوات الثماني التي قضاها في البيت الأبيض. وجردة الإنجازات هذه عند وضعها على مرآة الواقع لا تعدو عن كونها محاولة للاستعانة بمساحيق التجميل والكلمات المنمقة والدموع المنسدلة على خده، لرسم صورة تليق بمناسبة الوداع، مع أن ما تخفيه تلك المساحيق والكلمات والدموع ليس إلا صورة عبثية لواقع يكثر فيه اللغو من دون طائل، وضمن معطيات تزداد فيها حدَّة الثرثرة، سواء فيما يتعلق بالصراع العربي ـ الإسرائيلي والقضية الفلسطينية ورؤيته "حل الدولتين"، أو ما يتعلق بالعلاقة مع روسيا الاتحادية أو ما يتعلق بالإرهاب ومحاربته.
لقد كان لافتًا محاولة أوباما في يوم وداعيته التنصل من دوره كرأس على هرم السلطة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ودعمه المطلق وغير المسبوق لأبشع احتلال عرفه التاريخ الحديث الذي لا تزال سجلاته تترع بجرائم الحرب والانتهاكات ضد الإنسانية التي يرتكبها صباح مساء هذا الاحتلال الذي أعطي صفة دولة ـ و يا للأسف ـ وكذلك محاولة أوباما التبرؤ من سياسة بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي الداعمة للاستيطان في الأراضي المحتلة والتي تجعل إقامة دولة فلسطينية أمرًا شبه مستحيل.
أوباما الذي يترك منصبه في الـ20 من يناير الجاري قال إنه هو ووزير الخارجية جون كيري ناشدا نتنياهو بصفة شخصية "مرات لا تحصى" على مدى السنوات القليلة الماضية وقف النشاط الاستيطاني لكنه تجاهل تلك النداءات. ودون شك أن مثل هذه اللغة بقدر ما تعبِّر عن ضعف موقف واضح لأوباما وكيري، بقدر ما تبدو ذرًّا للرماد في العيون، وكمن يربت على كتفي المجرم الإسرائيلي؛ بدليل أن بيبي ـ كما حاول أوباما أن يشير إلى نتنياهو بلقبه هذا ـ في عهده لم يحصل كيان الاحتلال الإسرائيلي على دعم أميركي مثلما حصل عليه في عهد الرئيس أوباما. وبالتالي الادعاءات الواردة في مقابلة بثها تلفزيون القناة الثانية الإسرائيلي للرئيس أوباما عن الاستيطان و"حل الدولتين" والانتقاد الموجه إلى سياسة نتنياهو، لم تكن مجرد صياغات خطابية ومفردات سياسية اقتضاها العرف الدبلوماسي وفرضها التقليد الأميركي المعمول به، بل جاءت متخمة بنفاق سياسي فاق ما سبقه، تدل عليه تلك المحاولة "الأوبامية ـ الكيرية" غير المسبوقة لتغيير حدود عام 1967، وذلك بطرح ما أسماه أوباما تبادل أراضٍ بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
|
||||||||
|