وجهات نظر

في القطار الى وادي بردى

نبيه البرجي


الاعلام تايم_الديار
الذاهب بالقطار، أيام زمان، الى دمشق لا بد أن يعرج على ذلك الكرنفال السحري في قرى وادي بردى. نساء يحملن صواني الجوز والتفاح على رؤوسهن، ورجال ملؤوا السلال لإغواء المسافرين بأشياء الزمن الجميل...
واذا تسنى لك أن تجلس في أحد المقاهي بين الاشجار الوارفة، لا مناص من أن تصادف من يقول لكن أنه لولا هذا الوادي لما كانت دمشق أقدم مدينة في الدنيا. هو يمدها بالنسيم العليل الذي يحد من جنون الهواء الآتي من البادية...
هو أيضاً الذي يبعث اليها بالماء الذي احترف، ربما منذ الازل، صناعة الياسمين...
في الطريق، وعلى وقع لهاث القطار الذي يتلوى بين الاودية، يطالعك نبع بردى.
النهر الذي كما لو أنه النص الالهي. الم تكن القوافل الآتية من شبه الجزيرة، أي من الشظف والقيظ، تحط الرجال على ضفاف بردى التي هي صورة طبق الاصل عن ضفاف الفردوس، الدنيا بدأت بأشجار الحور والصفصاف التي هناك و"القطوف الدانية".
الدمشقيات، أيها السادة، الم يكنّ، وما زلن، حوريات الدنيا؟
هذا ليس رثاء لوادي بردى، لأهلها الذين يشبهون بساتين التفاح، والصخور التي تزنرها بين الحين والآخر، بل هي صرخة من أقاصي القلب، بالأحرى منأ الروح، للحيلولة دون البقاء داخل تلك اللعبة العبثية (الصدمية)، وحيث القتل للقتل، بل حيث قتل السوري للسوري لمصلحة من حملوا على ظهورهم الايديولوجيات البلهاء، ومن وقعوا في غواية التاريخ أو في غواية الجيوبوليتيكا....
لا أحد يشك في أن الحكومات المتعاقبة، أو أكثرها، أدارت ظهرها للريف، وهو آخر ما تبقى لنا من الزمن الجميل. الذي زاد من عذابات الوادي أن الاوتوستراد الذي من الحدود اللبنانية وحتى دمشق حجب كل تلك المصايف والقرى الخلابة.
وكان الذاهب بالقطار حين يصل فجراً الى محطة الحجاز ويتناهى اليه صوت المؤذن يشعر بإحساس رائع..
وكنا نسمع الشكوى من الاهمال أو من التفرقة، وهذا ما استثمره، الى أبعد مدى، حفارو القبور، وهم إياهم حفارو الانفاق، لتسويق لغة الغرائز. كثيرون سقطوا في جاذبية البنادق علّ الغد يكون أفضل، ودون أن يدري هؤلاء أن من يدعون بالثوار، وقد تعسكروا، وراحوا يعملون كمرتزقة لكل من يريد وضع اليد على سورية، إنما يدفعون بالزمن الى آخر الزمن...
الغرباء، المرتزقة، الساقطون، هم من يمسكون بلحاهم، كما لو أنها لحى الابالسة، بالوضع في بعض قرى الوادي التي معظم سكانها نزحوا الى دمشق. هؤلاء هم الذين يقطعون مياه عين الفيجة أو يلوثونها. أي ثورة تقطع المياه عن أهلها؟
لأهل الوادي الذي يمتد الى لبنان، ولنا هناك أصدقاء، ولنا هناك ذكريات، نقول انظروا الى ما يحدث على الارض السورية. أليست لعبة الامم، وقد تقاطعت تكتيكياً، مع لعبة القبائل هي التي دمرت كل شيء وأحرقت كل شيء؟..
الايام سوف تكشف بربرية الكثيرين، وسذاجة الكثيرين. هل نبالغ اذا قلنا أن العقود المنصرمة شهدت حركة عمران لافتة جداً في قرى ومصايف الوادي، ولا نظن أن المعاناة كانت عاصفة، مادياً وحتى سياسياً، الى حد السقوط في غواية الصدم...
لا أحد يغفل الحاجة الى التطوير السياسي، والى تحديث فلسفة (وآليات) الدولة، المتعلمون كثيرون في الوادي ويفترض أن يكون لهم دور. هكذا في كل سورية، ولكن ليس بإحراق سورية...
ولتكن المصالحة، لا الانتحار، هي الخيار إن كنا نعلم أي هيستيريا تطبق على بعض من يمسكون بالزمام. بردى الذي كما لو أنه النص الالهي يستصرخكم. أعيدوا للزمن الجميل زمانه...

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=42587