وجهات نظر

باختصار: المطران كبوجي وحلم ذات ثورة

زهير ماجد


الإعلام تايم- مقال رأي



لم تحظ ثورة في العالم مثلما حظيت الثورة الفلسطينية من تعاطف عالمي بل وانخراطه في صلبها .. إذ لم يكن المطران الراحل حديثاً هيلاري كبوجي ابن حلب البار الاسم الوحيد الذي حمل لواء فلسطين، بل انخرط في ثورتها، ومن شدة حماسه قام بنقل أسلحة في سيارته مما عرضه للسجن أربع سنوات تقريباً، فيما حكم عليه اثنتي عشرة سنة.

 

أقول وأردد دائماً، ويعرف جيل تلك الثورة ومن عايشها، أنه لم يتفتح طريق سالكة إلى فلسطين إلا من خلالها، فقد كانت الأقرب إليها حتى صارت على بعد أمتار، كما قال نزار قباني.لكن العقل العربي البائد يقطع عادة نصف الطريق، وحينما يتعب، وهو دائما يتعب، يفتش عن وسيلة نقل بل أرخصها وأكثرها تخلفاً .. وهو ما ينطبق على قائد الثورة ياسر عرفات، الذي ذهب إلى أوسلو ليضع نهاية لحلم كبير كادت البندقية أن تصنعه، رغم أن الرئيس اليوغوسلافي الراحل جوزيف بروز تيتو قال له قبل وفاته إياك وأن تفاوض الإسرائيليين أو تعترف بإسرائيل.

 

في كل الأحوال، جمعت الثورة الفلسطينية التي أضاءت روحاً عربية مهزومة في العام 1967 متعاطفين ومشاركين من كل أنحاء العالم تقريباً، من اليابان، إلى الأرجنتين، إلى ألمانيا، إلى الطليان، والفرنسيين، إلى عرب من كل الأقطار تقريباً، وإلى أفارقة حالمين، وإلى ثوار من فيتنام عايشناهم، وإلى كوبيين، وإلى أبناء الطبقات العاملة من كافة أرجاء الأرض وهم على إيمان بأن قتال الإمبريالية يبدأ من الانخراط بثورة فلسطين.

 

كان المطران كبوجي واحداً من كثيرين سكنت روحهم في أكثر مساحات العالم معنى وهي فلسطين .. أرادوا أن يغسلوا عاراً إنسانياً، فلسطين باب إلى أممية الأرض، ولا يمكن الإحساس بالقيم المؤنسنة إذا لم تكن هي روحه. وحين تفوق المطران الحلبي في عروبته كعادة العروبيين المؤمنين، زاد من معنى لبوسه الديني المسيحي كي يقول بأن السيد المسيح أول ثائر فلسطيني بالكلمة والموقف والشجاعة والقيم الكبرى، وأن رجل الدين المسيحي يجب أن يكون فلسطينياً كي يقبل دوره وانخراطه في عالم الكهنوت. لقد كانت أفكاراً حولها المطران الثائر إلى فعل، وظل مؤمناً بالبندقية، ربما، حتى بعد أن خلعها قادة الثورة إلى حد منعها تماماً، كما فعل دائماً الرئيس محمود عباس.

 

ومن يحتكم لفلسطين يكون الله قد أضاء بصيرته، ومن يحلم بعودتها، يشارك في كلمة الحق التي صوتها "طريق واحد يمر من فوهة بندقية" وهي لنزار قباني أيضاً. تجاوز المطران كبوجي إذن، طريقة العلاقة مع روحانيته في صنع علاقته مع القضية التي آمن بها ورأى فيها ذلك السر الآلهي الذي يجب تعلمه وفهمه، كي يكون التقرب من الله حقيقياً.

 

من المؤسف أن نطلق اليوم على الثورة الفلسطينية "حلم ذات ثورة" سقطت بفعل فاعل من ترجمة للطريق الموصل إلى فلسطين، إلى درب مسدود تماماً مازال القيمون الفلسطينيون عليه يعاندون الحقيقة ويغلقون على أنفسهم وعلى شعبهم كل إمكانيات العودة إلى تراث ثوري هز العالم وأخذه من يده مشاركاً في مشروعه التغييري الكبير.

 

مات كبوجي شهيداً في كل الأحوال لأن هكذا قامة امتزجت بفلسطين وواكبتها حتى التسعين من عمره تقريباً لأن البندقية ظلت مرسومة في روحه ووحيه الدائم.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=42471