وجهات نظر

وادي بردى لن يكون واديا للذئاب .. الذئاب وعاصفة من العاصمة

بقلم: نارام سرجون


الإعلام تايم-مقال رأي
 

ليس من هواياتي أن أودع الأعوام ولا أن ألاقي الأعوام لأنني أرى أن الزمن متصل لا يمكن قطعه بمقص بابا نويل كما لو كان قطعة قماش حريرية .. ولا يقطع بسكين كقالب الحلوى .. الا أنه يقطع بالأحداث الكبرى .. فقد يحدث الانقطاع في الزمن في يوم صيفي أو شتوي في يوم خريف .. أو ربيع .. ويبدأ توقيت جديد .. وقد يحدث مرتين في العام أو مرة في قرنين .. لأن لعبة الزمن التي تدور حول الشمس مملة وتكرر نفسها وهي تفيد أو تمتع الفلكيين والمزارعين الذين ينتظرون الحصاد وأولئك الذين يعتقدون أنهم يكبرون كل عام .. أما التاريخ الإنساني فله حسابات أخرى وحصاده غير حصاد المزارعين .. وهذا العام فاصل في أن نقطة النهاية فيه هي نقطة اختارها الزمن لينعطف وليقطع امتداد جسم الزمن على مدى عقود قادمة .. وقد بدأت الرحلة في حلب الفاصلة ..

آخر ما تبقى من مجانين الزمن الماضي الذين يطويهم الزمن يعتقدون أنه يمكن أن يوقفوا ساعة الزمن الذي وصل بأن يقطعوا المياه عن دمشق وحلب .. وكأن دمشق وحلب اللتين عجز عنهما العالم كله والكون كله سيقدر عليهما بعض الصبية المراهقين الذين يظنون أن كسر خوابي الماء والقاء الثعابين في الآبار التي تسكب الماء في فم دمشق أو أن تحطيم الكؤوس سيعطي الثورة التي ماتت في حلب أكسير الحياة ..

لطالما قتل الماء النار في كل زمن .. ولكن في زمن المجانين فإن أصحاب الجنة والنار يريدون بالنار قتل الجنة .. ويريدون بالنار قتل الماء .. فهل تقدر النار على الماء؟؟

ما يحاول الإرهابيون فعله الآن هو تنسيق مستميت بين التجمعات الإرهابية التي تعيش اسوأ أيامها لأن منظمات الجريمة المسلحة التي تتغطى باسم المعارضة السورية كانت تراهن جداً على معركة حلب التي كانت تقديرات العدو أنها ستستغرق 3 أشهر على أقل تقدير وستشهد معارك طاحنة وأهوالاً وأعداداً كبيرة من الضحايا بحيث أن العالم لن يقبل الا بإيقافها بل إن الجنون فيها سيدفع الجميع للتوقف شاء أم أبى .. واذا ما توقفت معركة حلب فإن المشروع الإرهابي المتأسلم  يكون قد انتصر بفرض معادلة القوة الموازية التي تفرض شروطها كما فرض حزب الله شروطه على أعتى قوة تهاجمه عام 2006 وصار ندا لها لأنه صمد في وجهها .. ولكن معركة حلب كانت مذهلة ولاتزال أسرارها معقدة جداً وعصية على الفهم لأن حجم التسليح الهائل والمتطور والذخائر التي لانهاية لها كانت تكفي فرقاً عسكرية كاملة للقتال سنة كاملة إضافة الى الحشد والتحصينات والأنفاق والزواريب التي كانت مهيأة لخوض حرب مدن لسنوات .. كل هذا انتهى في خمسة أيام ..

وفوجئ العدو أن تركيا التي كانت تنتظره أن يصمد صارت عاجزة عن عمل أي شيء بعد الهزيمة المروعة التي صدمت سكان استانبول من السلاجقة .. بل إن تركيا بعد معركة حلب صارت تتصرف وكأنها تخشى على نفسها هي .. الرعب الذي يصيب المعارضة هو من معركتين قادمتين كالقدر هما معركة إدلب ومعركة الرقة ..

إدلب كانت تدرك أنها معركة مؤجلة أمام تحدي حلب التي كان المسلحون فيها يتصرفون بقدر كبير من الثقة بالنفس بسبب الغطاء الإنساني والدفاع المستميت في وسائل الإعلام الذي منح لمسلحي القاعدة وأكثر التنظيمات إجراماً بحيث يمكن القول بثقة أن هذا الغطاء لم تحظ به إلا أساطير الهولوكوست وحكاياته .. وكان مصدر الثقة بالنفس أيضاً ناجماً عن حقيقة أن الإرهابيين في حلب إنما كانوا في حصن لا يقهر وهو المدينة المكتظة بالأزقة والانفاق والشوارع والمدنيين الدروع .. فكان الإرهابيون يتصرفون وكأنهم في منأى من الهزيمة فيقتلون الناس كل يوم دون حساب في الأحياء الغربية بالقذائف لإرغام الدولة على البقاء في حرب باردة معهم تمنعها من تغيير بوصلة المعركة اذا فكرت بذلك .. فهي لا تقدر على الهجوم في مدينة يستحيل اقتحامها بسهولة .. وهي لا تقدر أن تلتفت الى إدلب لنيل نصر سهل تبرزه أمام صعوبة النصر في حلب التي تتعرض لقصف عشوائي يومي .. ولكن حدث مالم يكن في حسبان أحد .. فقد سحقت قدرة التنظيمات الإرهابية على المواجهة في حلب سحقاً .. وصار من البديهي أن إدلب الأقل تحصيناً ستسقط بقدر أقل بكثير من المواجهة لأن الحرب ستكون في مدينة صغيرة نسبياً ومنبسطة كما أن الأرياف الإدلبية تعد هدفاً سهلاً للقاذفات والراجمات العملاقة التي ستحرث إدلب حرثاً ولن ينجو من مسلحيها إلا كل ذو حظ كبير ..

في هذه اللحظة بدأ التنسيق على المكشوف بين "النصرة" و"داعش" لأن الشقيقين السياميين لا يمكن الا أن يعيشا معاً وأن يموتا معاً .. وتأكدوا أن النصرة ستبكي إذا هزمت الرقة وأن الرقة ستنهار إذا هزمت إدلب .. لأن التنظيمين يتوزعان الأدوار ويتقاسمان الموت والحياة لأن التوأمين السياميين إذا قتلت أحدهما مات الآخر في الحال .. وكلنا نعلم أن سبب تقدم النصرة في إدلب سابقاً هو أن "داعش"  يشاغل الجيش والمحور السوري في معارك أشغال واستنفار ذات توقيت مريب في كل وسط سورية وشرقها .. كما أن "داعش" يتقدم في وسط سورية عندما ينشغل الجيش مع النصرة في الشمال والجنوب ..

هناك قلق لا يوصف من أن يسقط التوأمان السياميان بسقوط أحدهما في إدلب أو الرقة .. ولذلك فان المطلوب هو أن يعيدا ترتيب أوضاعهما وتنسيق صفوفهما وتعويض النقص في الأعداد والذخائر والموارد بعد هزائم كبيرة متتالية .. وهذا يحتاج وقتاً وهدنة .. لأن هناك حقيقة واضحة هي أن التنظيمين الآن لا يقدران على إحداث مواجهة كبيرة دون إعداد مريح .. فلذلك تم تفعيل الجيوب الصغيرة التي يمكن أن تسبب إرباكاً في صف الدولة وإشغالها بالهم اليومي ومن هنا نشأت فكرة تكليف صبية ومجانين وادي بردى بإلقاء القنبلة المائية في وجه العاصمة دمشق .. وأكملت "داعش" القنبلة المائية في حلب بقطع مياه الفرات عنها ..

الجيوب الصغيرة الباقية حول دمشق تحاول إنقاذ إدلب أو الرقة بتأجيل المعركة ما أمكن الى أن تلتقط النصرة أنفاسها لأن هزيمة حلب لم تكن متوقعة .. وهذه المعركة في إدلب بالنسبة للمسلحين معركة حياة أو موت .. ويجب الحفاظ على "داعش والنصرة ".. بأي ثمن .. ولذلك تنطحت التجمعات الارهابية للقيام بعملية انتحارية لإشغال دمشق ما أمكن الى أن تنجلي الصورة العسكرية والسياسية ..

الهدنة التي تم الاتفاق عليها رسمها الروس بمهارة وبراعة وقع فيها الأتراك كعادتهم وانحازوا تحت ضغط الهزيمة لها لأنهم يريدون استراحة المحارب ريثما تنضج ظروف أخرى للبحث عن خدعة .. لكن خطر الاستراحة كبير لأنها فيها سماً قاتلاً وهو سم الفصل بين التنظيمات الإرهابية .. فهذا غالباً سيطلق التناقضات الكبيرة التي قد تفتك برفاق السلاح في صراع ايديولوجي مرير لأن هذه التنظيمات مهووسة بالرجوع الى الشريعة ومهووسة بالاحتكام الى الحلال والحرام .. لأن فخ إبقاء النصرة تحديداً يجعل الهدنة مرة جداً كالعلقم على المعارضة وتنظيماتها .. وسيكون من شبه المستحيل أن تقاتل "النصرة" وحدها في الهدنة اذا ما هوجمت فيما تنظر الى مقتلها بقية الفصائل التي شاركتها الدم سابقاً .. والحلفاء لا يضيرهم أن يقاتل من يشاء الى جانب النصرة لأن ذلك يخفف من التنظيمات المسلحة التي تحاول ارتداء ربطات العنق وشالات الحرير بدل الرايات السوداء والسكن في جنيف لتنزل معنا في حكومة وطنية ..

مسلحو وادي بردى يريدون بسذاجة انقاذ إدلب والرقة في الوقت الضائع .. وفكرة السلاح المائي ليست فكرتهم بل فكرة قادمة من مكان آخر وصلتهم (بالحمام الزاجل) ولكنهم ارتضوا أن يكونوا انتحاريين في هذا الخيار وأن يحولوا واديهم الى "وادي الذئاب" .. وعليهم الاتعاظ من درس حلب أن للجيش قوة عاتية لا تقهر .. وإذا لم يحاولوا إنهاء الحصار المائي فإن العاصفة ستقتلعهم في ومضة عين من محيط العاصمة .. ويجب أن تكون عقوبتهم من أقسى العقوبات .. لأن من أؤتمن على مياه الشعب وخان الأمانة وحولها الى سلاح على رقاب الناس لا يستحق أن يبقى حارساً على الماء .. ويجب إخلاء تلك البقعة من كل من تورط في عملية الابتزاز .. فهؤلاء لا يستحقون أن يكونوا جيراناً للمياه في وادي بردى ويجب أن يرحلوا .. لأن من يبتز الناس في قطرة الماء يجب أن يرحل من جوار الماء ..

إن من يحوّل وادي بردى الى واد للذئاب التركية يستحق أن يلقى معاملة أقسى من معالمة تلقاها مسلحو حلب السلاجقة وهم يتقهقرون ويحملون في الشاحنات مثل البضائع المهربة .. وأنا شخصياً أعرف أن اجتياح تلك المنطقة من وادي بردى لن يكلف الجيش السوري المظفر الا ساعات قليلة لإخراج الذئاب .. وأن القيادة السياسية تريثت كثيراً في شأن كل المحيط الدمشقي لأن هناك رغبة في إنهاء التمرد سلماً وبمصالحات لميل المزاج العام حول دمشق نحو الاستسلام على عكس المزاج الذي يستأسد بتركيا في الشمال .. لكن صبر الدولة شارف على النفاذ .. وبدأ العسكريون يضعون خرائطهم وخططهم على الطاولات بحماس لإقناع القادة السياسيين بالإسراع بالإجهاز على قطعان الذئاب في لمح البصر .. لأن الذئاب التركية التي تعوي الآن في ذلك الوادي آن لعوائها أن يتوقف وأن تقتلع حناجرها وأن تصمت الى الأبد ..

الذئاب لا تعرف أن الزمن قد تقطع في لحظة حلب وأننا صنعنا الزمن الآتي .. وأن الدنيا تغيرت وأن هذه الذئاب تنتحر بالعواء في زمن اللاعثمانية الذي تقوض في حلب .. وأن لا شيء سيعيد عقارب الساعة الى الوراء بعد أن تحطمت الأيام والساعات والمواعيد على ولادة الشرق الجديد من رحم سورية التي تكالبت عليها أمم الأرض ..

استعدوا لاستقبال الزمن الذي وصل .. أنه زمننا منذ اليوم .. وزمن النصر .. بعد أن كاد أن يكون زمن أشباه الرجال .. وزمن الاسلاميين الذئاب .. وزمن نتنياهو وأبناء نتنياهو .. زمن الكلاب وأبناء الكلاب.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=42449