وجهات نظر

باختصار: أجمل الكتابات

زهير ماجد


الاعلام تايم_الوطن العمانية
في كل نهاية عام، يتنقل المرء بين السنين مفتشا عن أبرزها خلال حياته المعاشة .. تلك مهمة الكاتب، وخصوصا ذاك الذي امتدت به الحياة فعاش أهم الأحداث وعاينها وقرأ فيها وأعاد.
في العام 1967 كنا نلتم حول راديو الترانزستير وكان اختراعا يابانيا ثوريا في وقته، من أجل سماع مجريات حرب بين العرب واسرائيل، وحين استقال جمال عبد الناصر من وطء الهزيمة التي حصلت، وبكى المذيع المصري وكان يومها الشاعر الراحل فاروق شوشة، بكينا معه. لم نكن نتصور في ذلك التاريخ المفصل أاننا سنعيش خمسين عاما إضافية حتى العام 2017 لنكتب عن أكبر الهزائم في حياة العرب، لكن ها نحن بالفعل نفعلها، والاهم أن مشهد تلك الأيام بكل تفاصيلها ما زال الدماغ يسترجعها ، لأنها تعصى على النسيان .
ولأننا عشنا تلك المرحلة البعيدة كما تروي عن نفسها، والقريبة كما هو حالها في عقولنا، فإن أحداثا كثيرة لا يمكن طيها ببساطة ومسحها وهذا مستحيل، تخرج من بين أصابعنا لنكتبها، ومع أننا لم نعش ثورة اكتوبر البولشفية 1917 التي مضى عليها مائة عام، حيث ما زال زعيمها لينين الممدد في تحنيطه، الا أنها أكبر المتغيرات في القرن الماضي وأشدها عاصفة في التأثير على العالم. ثم تكر المسبحة في ذكريات مترابطة .. فهناك ما زال ماوتسي تونغ وقد غير وحه الصين، وهناك ستالين الذي آمن بروسيا الأم فأعطاها زمنا لايمكن أن تتخطاه مهما تقلبت فيها الوجوه الحاكمة .. وهناك تيتو الغيور على وحدة يوغوسلافيا، وديجول الذي كان صمام الأمان في عدم سقوط فرنسا نهائيا بأيدي هتلر، وهناك هتلر الذي اراد إعدام العالم كي يمشي في شوارعه بزهوة المحتل له والخاضعه لجبروته، وهنالك جمال عبد الناصر الذي أحيا كرامات أمة بإعادة ربطها بمشروعها العروبي المتحرر من كل شوفينية، وهنالك هوشي منه الذي قلم أظافر واشنطن وظل يحي في شعبه صورة الفدائي الوطني، ولن ننسى فيدل كاسترو وتشي جيفارا وثوار افريقيا وهم كثر وغيرهم.
عشنا هذه كله وارتوت أفئدتنا بما ملكته روحنا من وجوه زعماء خطوا كل هذا التغيير، ولم نكن لنتفاجأ بأن ترتسم دائما على وجوهنا علامات ألفت هذا النتاج العالمي، فهو في صميم ماعشنا كان الاثارة التي حببتنا بما كنا نعيش واكثر.
نبعثر هذه التواريخ والسنة الجديدة لا ترضى بأن تمضي بسرعة كي نتعرف على نتاجها وعما اذا كانت ملتهبة كسابقاتها من سنين الجحيم العربي الذي ما زلنا نعيشه .. ومثلما قيض لنا أن نكتب في سنوات يعتبرها الجيل الحالي غائرة في التاريخ، فلسوف يكون لكتاب المستقبل أن هم أرادوا قراءة الماضي العودة إلى تفاصيله وأحداثه .. فنحن شهود على زمننا، وهم شهود على زمنهم، وكلنا سيكتب تاريخ ما عاشه، وسيجد الذين سيعودون لقراءتنا أيها استحق حماستنا والتصاقنا به .. ولهذا لا بد من تسجيل الحقيقة، والقول بما تحتاجه الأجيال الحالية والقادمة اذا ما أرادت أن تتعرف على ماضي عالمها ومنطقتها وامتها ووطنها، تلك مهمتنا التي هي واجب وأمانة، وكما كان يوصي السيد محمد حسين فضل الله كل من عمل بالشأن العام.
الكتابة في الماضي أجمل الكتابات، وخصوصا مثلما مر معنا أعلاه، أنه حلو سنين نراها اليوم شبيهة بالأحلام التي مرت وغارت في بطون التاريخ، فإذا نحن أحداث بعدما كنا بشر بلحم ودم.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=42386