وجهات نظر

معركة حلب تحتدم في حي الشعّار

محمد بلوط


الإعلام تايم -السفير
 

لا صفقة روسية ـ تركية على حلب، و "لا" روسية وصينية في مجلس الامن الدولي لمشروع مصري - نيوزيلندي يمنح هدنه أممية للمجموعات المسلحة وفرصة إعادة ترتيب الصفوف. رسالة "الفيتو" المزدوج أن موسكو ستواصل الحرب مع الجيش السوري على ما بقي من مقاتلين في شرق حلب ولن تتوقف قبل انتصار حاسم أو جلاء جميع المسلحين عن شرق المدينة. وزاد من حدة "الفيتو" أنه صادف قصف المعارضة لمشفى ميداني روسي في حلب أدى إلى مقتل طبيبتين روسيتين.

 

الروس أعادوا التأكيد لدمشق، أنه لا صفقة على أولوية دخول الجيش السوري الى مدينة الباب. التأكيدات صدرت قبل أسابيع، بعد انتعاش التفاهمات الروسية التركية بشأن سورية، بعد الانتصارات الميدانية التي حققها الجيش السوري في عاصمة سورية الاقتصادية، وعلى المسرح الأول الذي تشتبك حوله وفيه القوى الإقليمية والدولية. المصادر السورية قالت إن تمهل الجيش السوري في التقدم نحو الباب، لا يعود الى أي صفقة تمنح الأتراك أولوية الوصول الى مدينة الباب، وضمان إبعاد الكرد عنها، وشق ريف حلب الشمالي نهائياً، بعمق يتجاوز الثلاثين كيلومتراً وفصل مناطق شرق الفرات عن غربها، ومعها المشروع الكردي الفدرالي، الذي يشكل الهاجس الأول لأنقرة.

 

التمهل السوري الذي لم يطلق عملية واسعة في الباب، يعود الى أن التطمينات التي قدمت الى دمشق، تجعله قادراً على الانتظار، خصوصاً لحظة وصول عملية حلب الى مرحلة حاسمة، والإجماع بين روسيا وسورية على ضرورة مواصلة التركيز على إنهاء العمليات العسكرية في المدينة، قبل نهاية العام، والانتقال في ما بعد الى مدينة الباب. ويعتبر السوريون أنه من البديهي الوصول الى الباب، ذلك أن عودة المجموعات المسلحة الى تهديد حلب، سيكون حتمياً، لو أن الأتراك دفعوا بقوات "درع الفرات" الى المدينة، وهو أمر سيعيد تهديد مشاريع إنعاش الدور الحيوي لحلب في قلب المشروع السياسي والاقتصادي السوري، فضلاً عن أن وقوف الأتراك على مبعدة كيلومترات من العاصمة الثانية لسورية، وقلبها الاقتصادي، سيؤدي الى تجويف الانتصار في حلب من معانيه السياسية والاستراتيجية، ويوفر للأتراك منصة للتأثير على كل التفاهمات السورية المقبلة. ولن يكون الانتصار السوري وحده مهدداً بتلك الصفقة مع الأتراك إن وجدت، بل إن الانجاز الروسي سيكون رهينة تفاهمات مع قيادة تركية مزاجية ومتقلبة، وغير موثوقة ولا قادرة على احترام التفاهمات المعقودة معها. كما أن الانجاز الروسي لن يكتمل إلا باستعادة السيادة والسيطرة على المراكز الحيوية، والسكانية الكبرى في سورية. فليس إنجازاً أن تستعاد حلب وتسلب الباب، وأن تتوزع الشمال السوري خريطة نفوذ تركية أو كردية أو أميركية.

 

ولا يتناقض انتفاء الصفقة على الباب، مع استئناف المفاوضات في أنقرة بين الروس والاتراك، وممثلي المجموعات المسلحة التي تقاتل في حلب باستثناء "النصرة"، إذ إن المطروح على طاولة المفاوضات لا يزال إصعاد المسلحين من المجموعات كافة، الى الباصات التي حملت المئات قبلهم الى إمارة أبو محمد الجولاني في إدلب، وآخرهم مئات المسلحين بالأمس من بلدة الكسوة، في ريف دمشق الغربي.

 

ويذهب الروس في رفع سقف اللهجة الى حد وصف وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، لمشروع قرار مصري - نيوزيلندي في مجلس الأمن يقر هدنة في حلب، بأنه استفزازي في أحد جوانبه. ويسعى الروس الى كسب المزيد من الوقت، والعمل بعيداً من الضغوط وتأمين أفضل الشروط لحسم عملية حلب بإجلاء المسلحين أو هزيمتهم بأسرع وقت، وقبيل وصول الإدارة الأميركية الجديدة، وهو أمر لا يزال متاحاً مع تواصل شبه اجتياح الجيش السوري لأحياء شرق حلب. ومسبقاً كان مشروع القرار المصري - النيوزيلندي محكوماً بالفشل، لضيق صدر لافروف بأي هدنة لأنها، كما قال ستساعد المسلحين على إعادة ترتيب أوضاعهم، وتعويض ما خسروه، وهي المرة الأولى التي يرفض فيها الروس هدنة لحلب بهذه القوة لتعارض توقيتها مع اقتراب العمليات العسكرية من حسم الموقف في المدينة، وانتهاز فرصة التفاهم مع الأتراك حتى النهاية، وقبل تغيير المواقف، من أجل التخلص من كل العقبات التي تحول دون تحقيق انتصار روسي سوري حاسم في المعركة الإقليمية والدولية الكبرى التي تدور حول سورية، والتي ستكرس عبر حلب، عودة الروس بقوة الى أداء دور غير مسبوق في النزاعات الدولية، والمشرق، منذ سقوط الاتحاد السوفياتي مطلع التسعينيات.

 

ومنذ إنعاش التفاهم مع الأتراك، أبعد الروس الاميركيين عن أي مفاوضات ثلاثية تركية روسية مع المجموعات المسلحة، كما أبعدوهم عن تطورات الملف السوري منذ أسابيع. وقد يُطلع لافروف غداً الأربعاء، نظيره الأميركي جون كيري على طبيعة التفاهمات مع الأتراك، التي استعاض بها الروس مرحلياً، عن الاتفاق الأميركي - الروسي الذي لم يعد له وجود، خصوصاً بعد أن تجاوزته عمليات الجيش السوري في حلب. واذا كان صحيحاً ما قاله لافروف بأن كيري موافق على الخطة الروسية للحل في حلب، فلأن الأحداث قد تجاوزتها. وكان سجال بين واشنطن والمجموعات المسلحة قد أوحى بأن واشنطن قد أخذت علماً بأنها لن تستطيع إعادة عقارب ساعات حلب الى الوراء. وعندما أعلن "تجمع استقم كما أمرت" أن المقاتلين أبلغوا واشنطن انهم لن يخرجوا من حلب، لقطع الطريق على أي ضغوط أميركية، كانت المجموعات نفسها، تعلن أنها تلقت رسالة من واشنطن تتراوح بين طلب توضيحات عن موقفها، وبين نصائح بالخروج من شرق المدينة.

 

فرغم أن الروس باتوا يجلسون في أنقرة مع أطراف كـ "نورالدين الزنكي"، و "أحرار الشام"، وغيرهما ممن يتهمونهم بالإرهاب، لم يعد النقاش يدور حول فصل المعتدلين عن الإرهابيين، أو تنظيم قوافل إجلاء لبضع مئات من المسلحين، بمواكبة الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا شخصياً، وفي باصات الأمم المتحدة، إلى حيث شاؤوا، إذ إن الروس، يطالبون بخروج جميع المسلحين من كل الاتجاهات، كشرط أساسي لوقف العمليات العسكرية، التي اصطدمت في اليوم التاسع، بعد اختراق الجيش السوري لحي هنانو، واجتياح شمال شرق حلب، للمرة الاولى، بمقاومة في حي الشعار.

 

ودارت معركتان أساسيتان، تمثلان هما أيضاً، تطبيقاً مماثلاً لعملية هنانو نفسها. تتمثل الأولى في إحداث ثغرة، وسط الأحياء التي تسيطر عليها المجموعات المسلحة، واقتحام مشفى العيون وسط المدينة، في كرم الميسر الذي حولته "جبهة النصرة "الى مقر أمني لها، وسجن، ومحكمة شرعية، ومستودع للأسلحة. وحاول الجيش التقدم عبر ممر يبعد 500 متر الى قلعة حلب، والالتقاء بين القوات القادمة من شرق المدينة، مع القوات المرابطة في القلعة غرباً، وفي وسط المدينة القديمة. واصطدمت المحاولة بهجوم مباغت، على وحدة الطليعة في المشفى، تدخل الطيران السوري، والمدفعية، لتشتيته. وكان إقفال الثغرة سيؤدي الى عزل الأحياء شمال القلعة، عن جنوبها، ومحاصرة المسلحين في حي الشعار، أكبر أحياء حلب، الذي قطنته حتى مطلع الأزمة أكثرية 200 ألف قادم من أرياف حلب الشرقية، كما أن أحياء باب الحديد وقاضي عسكر واغيور وقرلق، ستصبح هي أيضاً محاصرة، ومعزولة عن ظهيرها في جنوب المدينة.

 

ومن الواضح أنه كلما ضاق انتشار المسلحين مع تساقط الأحياء، تكثفت أعدادهم فوق المساحات الباقية. وشكل حي الشعار اختباراً لإعادة التحشيد في هذا الحي، الذي نشرت "النصرة" فيه عشرات القناصة، في صفوف مبانيه البرجية العالية والمتلاصقة. واضطر الجيش الى إبطاء ايقاع دخوله الى حي الشعار، الذي سيكون لسقوطه دوي خاص، باعتباره المعقل الاول لجبهة "النصرة"، ومقارّها، ومخازن أسلحتها، وأحد أهم تجمعات مقاتليها في شرق حلب.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=41820