وجهات نظر

فلاديمير (بطرس) الأكبر

نبيه البرجي


الإعلام تايم -الديار



الآتي من الصقيع، صقيع الأقبية وصقيع الدنيا، يذهب بحلم بطرس الأكبر الى ذروته. ها أن فلاديمير بوتين يوطد قدميه في المياه الدافئة. ليست رقصة البولشوي، كما تصورت "النيويورك تايمز" في بدايات الرجل، بل رقصة القياصرة.

 

حتى الفريق خليفة حفتر يذهب اليه في موسكو طلباً للسلاح. لم يسقط القيصر في الإغراء. ليبيا الآن مستنقع للقبائل وللاستراتيجيات الضائعة. سورية هي الأساس، قال إن منها تنبثق قواعد النظام العالمي الجديد. مصر معه في هذا الاتجاه.

 

يقول لنا ديبلوماسي روسي أن العرب لعبوا قبلياً، وطائفياً، في سورية. لم يكونوا يلعبون لمصلحة الشعب السوري الذي يريد الديموقراطية حقاً، والعدالة حقاً، لا العودة الى ثقافة القبلية، وإنما كانوا يلعبون لمصلحة البلاط العثماني.

 

ينصحنا الديبلوماسي إياه بأن ننظر بتأن الى المشهد السوري. أين العرب؟ إنهم يغدقون المليارات على لا شيء. كل هذا يذهب الى الشيشانيين، والتركمان، والأوزبك، والباكستانيين وغيرهم وغيرهم الذين استجلبتهم الاستخبارات التركية من أصقاع الدنيا ليقاتلوا من أجل مصالحها.

 

حتى الأردن، المشرع على كل السيناريوات، بدأ يشكو من التداعيات الايديولوجية (والاقتصادية والسياسية) للأزمة السورية على مستقبله.

 

ويقول الديبلوماسي إن شخصية رجب طيب اردوغان واضحة للعيان. لا يحتاج الأمر الى زرقاء اليمامة للدخول الى هذه الشخصية. كما أي سلطان عثماني لا ينظر الى الحكام العرب أكثر من شيوخ قبائل، وفي أحسن الأحوال أكثر من ولاة للسلطنة...

 

بوتين الذي ينسق مع القاهرة حول سورية، لطالما قال للعرب أن الخطر الإيراني ليس موجوداً في سورية. الدور الإيراني لا يمكن أن يكون آنياً إن بفعل التباعد الجغرافي أو بفعل التباعد الايديولوجي (ناهيك بالتباعد السيكولوجي).

 

الخطر التركي هو الأساس. أردوغان أوحى، في بدايات الأزمة، أنه سيدخل الى الجامع الاموي في دمشق على صهوة حصان السلطان سليم. تذكرون كيف كان يحدد، بأصبعه، للرئيس بشار الأسد ساعة الرحيل، وكيف كان أحد اللبنانيين يصرخ في المهرجانات "أيها السلطان ادخل غازياً أو فاتحاً الى دمشق".

 

الديبلوماسي الروسي يقول "المشكلة أن بعض العرب ما زالوا يضخون المال والسلاح ويظنون أن لهم دورهم في المعمارية الاستراتيجية المحتملة في المنطقة، فيما هم يتمزقون إرباً إرباً في سورية، والعراق، واليمن الذي تم اختراع الحرب فيه ليكون مطحنة للدم، وللمال، في دنيا العرب.

 

ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية في الولايات المتحدة، يلاحظ أن الشرق الأوسط (من الآن وصاعداً) بين عشوائية دونالد ترامب وحذاقة فلاديمير بوتين الذي يدرك أين هي نقاط الضعف في شخصية الرئيس التركي بل وفي شخصية الدولة التركية.

 

كل ما قاله لأردوغان أنه يتعهد له بعدم إقامة دولة كردية في سورية، وتستقطب، حتماً، أكراد تركيا. لا شيئاً آخر، حتى اذا ما كان كلام أردوغان عن تنحي الرئيس بشار الاسد، استوضح الكرملين على وجه السرعة، فكانت العودة المرتبكة، والمضحكة عن التصريح.

 

بوتين الذي يدرك بالتفصيل دور أنقرة في صناعة "تنظيم الدولة الاسلامية" وتفعيله، ورسم خارطة عمله، كما يدرك بالتفصيل دورها في تصنيع "جبهة النصرة" والفصائل الإسلاموية الأخرى، يدرك أكثر المأزق الداخلي لرجب طيب أرودغان.

 

ماذا لو ساندت موسكو قيام الدولة الكردية في سورية؟ وماذا لو حركت العلويين، وهم ثلث السكان تقريباً (الأكراد نحو 17 مليوناً). الروس ينصحون بالعقلانية لأن تركيا قد تواجه في أي لحظة تصدعاً بنيوياً يمضي بها الى الهاوية.

 

القيصر كرس نفسه لاعباً أساسياً في المنطقة بكل تضاريسها العقائدية والاثنية والقبلية. ماذا فعل باراك أوباما سوى أنه طبق نظرية كارل روف "... وليذهب ذلك الشرق الأوسط الى الجحيم"!

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=41773