وجهات نظر

العالم يستعد للأخبار السيئة القادمة من حلب .. الاستسلام للأقدار

نارام سرجون


الإعلام تايم- مقالات



من عادة المدن التي تسقط هي أن سقوطها يبدأ على الورق وفي نشرات الأخبار وقبل وصول عدوها اليها .. ومن عادة الهزائم أنها تبدأ في القلوب وليس على أرض المعارك وأن هدير الخوف يسمع في العقول قبل أن يسمع هدير الدبابات في شوارعها .. أما المدن العظيمة فإن انتصارها يبدأ عندما يعلن العدو سقوطها في إذاعاته وتصريحات قادته المغرورة كما حدث مع بغداد التي أعلن عدوها بوش النصر عبر إعلان (نهاية المهمة) الشهير .. فإذا ببغداد تعلن بداية نهاية المشروع الامريكي .. وكذلك سقطت مارون الراس وبنت جبيل في إذاعات اسرائيل والمحطات العربية عام 2006 وسقطت في مساجد مكة حيث الأئمة الوهابيون شمتوا بالهزيمة فإذا بمارون الراس وبنت جبيل تسقطان الرؤوس في تل أبيب .. وتذلان الرؤوس في الرياض .. وتبدأن رحلة النصر التي لم تتوقف من يومها ..

 

من يريد أن يعلم متى ستشهد معركة حلب الضربة القاضية التي سيسددها الجيش السوري فما عليه إلا أن يقرأ كماً كبيراً من المقالات السوداوية ينشر هذه الأيام في صحف الغرب وفي مواقع "الثورة السورية" والإعلام النفطي التي تشبه قصص فرانز كافكا في كابوسيتها .. فالمقالات التي كانت تهدد وتتوعد وتنتظر أوباما والناتو والملائكة وتتحدث عن الملاحم الكبرى كلها تلاشت عنترياتها وصارت تنحو الى الواقعية السوداوية الكئيبة .. والعالم اليوم لا يتحدث عن مدى إمكانية صمود "المعارضة المعتدلة" وتحقيق الحلفاء الاجتياح الكامل لكل ما بقي للمسلحين من أبنية في حلب بل الكل يتحدث عن حتمية اللحظة الحزينة التي لا مفر منها .. البكاء يتدفق من الكتابات التي تنشر على عجل وهي كتابات وتصريحات تريد أن تقول أن النظام يهول من نتائج نهاية المعارضة في حلب .. ولكن حلب مدينة عادية وليست ذات أهمية "للثورة العظيمة".. وتقول بأن المعارضة قد ابتلعت الطعم وقامت بتضخيم أهمية معركة حلب عن غير وعي لهذا الفخ القاتل .. وهذا التضخيم يستفيد منه الجيش الآن الى أقصى مدى وهو يستعد لتوجيه الضربة القاضية .. مالم يقرر المسلحون المغادرة على عجل في باصات خضراء ..

 

ولذلك وفي محاولة لتدارك الموقف يتم ضخ كميات كبيرة من المقالات والتصريحات والتحليلات التي تقلل من أهمية خسارة المدينة لأنها فقط (جزء من المعركة .. وليست المعركة الأخيرة) .. وهذا الضخ الذي يعلن الهزيمة قبل وقوعها يقوم بتهيئة الرأي العام لتلقي الصدمة القادمة حيث ستهدر الدبابات السورية في كل شوارع حلب وسيرى آلاف من رجال الوحدات الخاصة يتجولون بين بقايا الذخائر المبعثرة التي تركها الإرهابيون الهاربون الى جانب المدافع المحترقة والرايات الممزقة للكتائب والفيالق الاسلامية الى جانب الجثث المبعثرة لمقاتليها ..

 

الآراء تبحث اليوم مرحلة ما بعد حلب لأن حلب انتهت في حسابات الاستراتيجيين الغربيين وهذه الطقوس الجنائزية السوداء في تلويث النصر الناجز بصور المجازر المزعومة شيء ضروري لسلب بهجة النصر وتحويله الى نصر قذر مشين يستحي منه المنتصر قبل غيره .. لأن حلب معركة صارت ميئوساً منها حتى في وسائل الإعلام الغربية التي تناقش اليوم الانتصار الكاسح الذي يحققه الأسد مع حلفائه في حلب والذي سحق المعارضة التي فاجأتها شدة مراس الحلفاء وشراستهم في القتال وعنادهم الذي لا يقهر .. ومن يحلل الحوارات في وسائل الإعلام الغربية يصل الى نتيجة أن الجميع استسلم للقدر .. ولكن العويل والنحيب من طقوس الوداع الضرورية للمدن التي يخسرها الإعلام الغربي في المعارك ..

 

دعوكم من المقالات والتصريحات التي صارت تشبه قذائف الهاون في عشوائيتها وبعدها عن الدقة وتشبه موضوعيتها قذائف مدفع جهنم في بدائيتها .. فقد صرنا بحكم الخبرة في هذه الحرب نميز صوت أنواع القذائف الصاروخية وعيارات قذائف الهاون من صوت صفيرها وهي تشق الهواء .. وصرنا نعرف من نوع الحرائق والدمار متى استخدمت أسطوانات الغاز التي يقذفها مدفع جهنم البدائي .. وكذلك صرنا نميز مقالات لها سلوك قذائف الهاون وعشوائيتها وأخلاق مقالات تشبه القذيفة الصاروخية التائهة التي لا تعرف ماذا تريد أن تقول وهي تصفر في الهواء والتي تصيب عابري السبيل بشكل عشوائي لمجرد عبورهم في توقيت خطأ ..

 

حلب فاجعة حقيقية للثورة السورية ولمشروع التغيير في الشرق .. فحلب هي نقطة ارتكاز المشروع العثماني المعنوية والمادية .. وهي المدينة التي كانت مرشحة بقوة لأن تكون عاصمة سورية الشمالية التي ستبدأ مشروع التقسيم وتصب فيها القبعات الزرق وقوات الفصل الدولية وكان هذا واضحاً من محاولة  تدويلها وتحويلها الى إدارة ذاتية .. ولذلك كنا نلاحظ استماته لا سابقة لها من أجل منع تحريرها ..

ووصل الأمر الى حد التهديد بحرب عالمية تبدأ من حلب .. ودخل الكوماندوز التركي أكثر من مرة على خط المعارك مباشرة في الماضي لوقف تقدم القوات السورية .. واليوم بعد أن اتضح أن حلب خرجت من المعادلة العسكرية بدأ تركيز الإعلام الثورجي على أن حلب ليست العنب الذي تريده الثورة بل هي الحصرم الذي لا يغني ولا يسمن وليس له مذاق العنب الحلو ..

 

باختصار شديد وبعد أن تنفجر مقالات وتصريحات قذائف الهاون المحللين الجهابذة للمعارضة فإن الخبراء العسكريين يعلمون أن تحرك الجيش السوري كان مقيداً بسبب حلب إلى حد كبير لأنه كان مضطراً لإبقاء عشرين ألف جندي من خيرة المقاتلين حول حلب لمنع تسرب وتدفق الإرهابيين الى باقي المدينة والى محيطها الذي كان على ما يبدو مخططاً مهماً لإعلان حكومة مستقلة ونواة انفصال الشمال السوري للالتحاق بالدولة العثمانية الجديدة الإردوغانية  حيث بدأ التعامل بالليرة التركية علناً في خطوة لإعلان الانفصال الاقتصادي الذي يسبق السياسي ..

 

بعد حلب عليكم أن تتخيلوا تغير الميزان العسكري إذ سيتم إعادة انتشار 20 ألف مقاتل بكل خبرات حرب المدن وأسلحة وتكتيكات حرب العصابات كانوا يقومون بحراسة كل نقاط التماس في حلب كيلا يتوسع الارهابيون خارج المناطق التي سيطروا عليها عام 2012 ويطلقوا نواة الانفصال .. وهؤلاء الجنود السوريون سيتفرغون لما بعد حلب .. والويل لمن سيواجه هذا الإعصار القادم الى مرحلة ما بعد حلب .. وما أن يتحركوا نحو أية جبهة حتى يهدر الخوف والهلع في قلوب من ينتظرهم ليقاتلهم قبل أن تهدر دباباتهم في شوارع المدن السورية المحتلة بعصابات الناتو .. الدبابات السورية ستهدر في كل الشمال السوري بعد حلب حتى آخر نقطة حدودية وستهز السياج الحدودي التركي .. وسيسمع هديرها حتى مكتب اردوغان في استانبول .. ومابعد بعد استانبول ..

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=41764