وجهات نظر

هل اجتماع باريس بداية مفاعيل الزلزال؟

عبد السلام حجاب


الإعلام تايم-الوطن

يبدو أنه مخطئ، وأكثر من يظن أن صدمة فوز الجمهوري دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأميركية قد تلاشت ارتداداتها، بل إن المؤشرات بما فيها تصريحات الرئيس المنتخب تشي بأن مفاعيلها السياسية سوف تزداد تأثيراتها، أكانت سلبية أم إيجابية مع بدء تسلمه مفاتيح البيت الأبيض رسمياً في العشرين من كانون الثاني القادم 2017، وتشكيل إدارته السياسية والعسكرية ومفاصل حكومته السرية الأمنية التي اعتاد الرؤساء الأميركان إنشاءها من دون تحمل مسؤولية مباشرة عن تبعات أعمالها.

وإذا كان دي ميستورا المبعوث الدولي الخاص إلى سورية، وجد نفسه مضطراً مع مطلع كانون الثاني القادم للتعامل مع الأمين العام الجديد للأمم المتحدة غوتيرس، بعد لقائه في موسكو مؤخراً الرئيس الروسي بوتين، الخروج من دائرة عدم النزاهة والانحياز إلى جانب الإرهابيين والدول الداعمة لمشاريعهم الخبيثة في حلب وغيرها، ما وضعه بين حدي الإقامة والاستقالة التي نفاها وبين أن ينطق بالحق الذي غيبته دهاليز مصالح سياسية وأجندات مشبوهة وتغييب متعمد للمنظمة الدولية وقراراتها الشرعية.

فإنه ليس هناك من شك بأن صدمة مفاجأة فوز ترامب غير المحسوبة، دفعت الرئيس هولاند المهزوز أصلاً بفعل نتائج الانتخابات الرئاسية التمهيدية إلى اتخاذ خطوة استباقية، بتوجيه دعوة للدول الداعمة للإرهاب وما يسمى المعارضة السورية التي تدور في فلكها بمحاولة عبثية لإحيائها بعد أن بلغت مستويات من الفشل والتشرذم غير مسبوقة، وقد وصف فرانسوا فيون المرشح الأول لانتخابات الرئاسة الفرنسية سياسة بلاده حيال سورية، بأنها سياسة فاشلة، داعياً فرنسا الرسمية إلى تغيير حلفائها وإيقاف تبعية باريس لسياسة واشنطن والاتجاه نحو التعاون مع موسكو وطهران.

وكان الوزير لافروف اعتبر دعوة باريس "لعقد مؤتمر للدول الداعمة لما يسمى المعارضة في سورية بأنها تعيق تنفيذ قرارات مجلس الأمن التي تنص على إجراء حوار سوري- سوري شامل.
وأكد الرئيس الروسي بوتين أن حل الأزمة في سورية سياسي، وروسيا إلى جانب الدول المعنية التي تسهم في إجراء الحوار السوري- السوري، ولعله في أولوية ما تريده سورية من إدارة ترامب القادمة ليس فقط إيقاف دعمها للإرهابيين بأشكال وصيغ مختلفة بل أيضاً لجم الدول التي تدعمهم سياسياً وتسليحاً ولوجستياً، والعمل الجاد على تطبيق قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالإرهاب وخاصة القرار 2253 التي يتجاهلها رعاة الإرهاب في أنقرة والرياض والدوحة.

في ضوء ذلك يمكن قراءة أسباب دعوة الحكومة الفرنسية الاستباقية إلى اجتماع باريس في أوائل كانون الأول المقبل عبر عدة اتجاهات بينها.
1- تصعيد الإجراءات سياسياً وعسكرياً في مواجهة النجاحات التي يحققها الجيش السوري وحلفاؤه في محاربة الإرهاب حتى القضاء عليه، معززاً بخيار المصالحات التي يتسع مداها جغرافياً ووطنياً، والتمسك المبدئي بقرارات الشرعية الدولية ولاسيما القرار 2254 الذي ينص على حق السوريين وحدهم في تقرير مستقبلهم بقيادة سورية من دون شروط مسبقة أو تدخل خارجي. والمؤكد أنه لم يخرج عن سياق تلك الإجراءات العدوانية اللقاء المشبوه بين ممثلين عن أميركا وتركيا وتنظيم "جيش الفتح الإرهابي" بإلزامه بعدم مغادرة الأحياء الشرقية لمدينة حلب مهما كان الثمن ومواصلة حصار المدنيين واستخدامهم رهائن ودروعاً بشرية.
2- الاستمرار في تشويه الدور الروسي والرئيس بوتين الذي يؤكد ثبات موقفه السياسي والعسكري والاقتصادي إلى جانب سورية في محاربة الإرهاب وتطبيق قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالحل السياسي للأزمة في سورية، وقد أكد غاتيلوف نائب وزير الخارجية الروسي في تعليق على مشروع قرار في مجلس الأمن تتبناه فرنسا… أن أي مشروع قرار أممي جديد بشأن الوضع الإنساني في سورية يجب أن يتضمن بندين أولهما ضرورة الفصل بين ما يسمى «المعارضة» والإرهابيين، والثاني تأكيد أن وقف الأعمال القتالية لا ينطبق على التنظيمات الإرهابية. وأكد السفير الروسي لدى بريطانيا الكسندر ياكوفينكو أن الممارسات التي تقوم بها كل من أميركا وفرنسا وبريطانيا في مجلس الأمن الدولي تقدم الغطاء للتنظيمات الإرهابية وتأتي في تناقض تام مع الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب.
3- مواجهة تراكم رسائل الغزل السياسي واحتمالات تطوره اللاحق بين واشنطن برئيسها المنتخب ترامب وموسكو، بصرف النظر عن لقاء الدقائق الأربع بين الرئيس الأميركي أوباما والرئيس الروسي بوتين والمحادثة الهاتفية بين الوزير لافروف ونظيره الأميركي كيري، حيث بحث الرجلان الحوار السوري- السوري والأوضاع في مدينة حلب. وقد أكد بيسكوف المتحدث باسم الرئاسة الروسية للصحفيين أن الرئيس بوتين لا يزال عند وجهة نظره حول استحالة تسوية الوضع في سورية من دون تعاون متعدد الأطراف وفعال وقبل كل شيء التعاون بين روسيا والولايات المتحدة، لكنها كما يبدو بانتظار سياسة الإدارة الأميركية القادمة تجاه قضايا المنطقة والأزمة في سورية بشكل خاص باعتبار أن الرئيس المنتخب ترامب قد أشار إليها في تصريحات علنية واضحة ولكن من السابق لأوانه التعويل عليها.

لعل أسئلة تطرح نفسها أمام المشهد السياسي الدولي وتطوراته متعددة الاتجاهات حول ماذا تريد فرنسا أن تضيف في الفترة المتبقية من رئاسة هولاند بعد أن أكدت لسنوات مضت حرصها على التبعية للسياسة الأميركية تجاه سورية دعماً للإرهاب بأشكال مختلفة، بينها مجلس الأمن الدولي وممالأة حكومات إرهابية "والمعارضات السورية المصنعة لحسابها بهدف استعادة "سايكس بيكو" بنسخة أميركية، وخلق دويلة للإرهابيين داخل سورية مكافأة لهم.

فهل تريد الهروب من مأزقها الداخلي على حساب تشويه انتصارات السوريين وسمعة ومواقف سورية وروسيا السياسية والميدانية، بعد أن فقدت معناها وفات زمانها؟ أم تريد مصادرة استباقية لتوجهات الرئيس الأميركي المنتخب ترامب وتشويه سمعته؟ أم أن الأمر تعبير واقعي عن فالق الزلزال الذي تتشقق صفيحاته البركانية وتبدأ فعلها داخل الأطراف التي دعاها هولاند إلى اجتماع باريس، والوقائع تؤكد ذلك؟

ليس مستبعداً بالتحليل السياسي الموضوعي أن تكون كل تلك العوامل مجتمعة، هي ما تقود إليه غياب الواقعية السياسية انطلاقاً من الأطماع والأحقاد الدفينة والنظرة الوحيدة الاتجاه.
ولكن من يقرأ جيداً خريطة الانتصارات التي يحققها السوريون بقيادة الرئيس بشار الأسد، سياسياً وعسكرياً بدعم الحلفاء والأصدقاء، يدرك أنها انتصارات تتراكم ولن تغير في مساراتها اجتماعات فقدت جدواها ومؤتمرات تأتي من خارج السياق، ومن يقرأ يفهم مهما كانت لغته الأم.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=41609