وجهات نظر

اردوغان يهدد أوروبا بفتح "أبواب جهنم".. هل يمهد للخروج من "الناتو"؟

عبد الباري عطوان


الاعلام تايم_رأي اليوم
أطلق الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الطلقة الأولى والاهم في الحرب النفسية الباردة التي يشنها حاليا ضد دول الاتحاد الأوروبي عندما هدد بفتح الحدود التركية أمام اللاجئين الراغبين بالتوجه الى أوروبا، كرد على تصويت البرلمان الأوروبي بالأغلبية الساحقة على قرار بتجميد مؤقت لمفاوضات انضمام تركيا الى الاتحاد.
وواصل الرئيس التركي التحدي عندما أكد أنه سيوقع على قانون تطبيق أحكام الإعدام في حق من تورطوا في الانقلاب العسكري الأخير، في حال إقراره من قبل البرلمان، وهي عقوبة يشترط الاتحاد الأوروبي عدم العمل فيها في أي دولة تريد الانضمام اليه.
تهديد اردوغان الواضح والصريح باستخدام اللاجئين كسلاح قوي في حربه ضد أوروبا، يعني الغاء الاتفاق الذي توصل اليه مع الاتحاد الاوروبي بمنع تدفق اللاجئين عبر تركيا الى دول الاتحاد، مقابل السماح للمواطنين الاتراك بالتنقل بحرية في أوروبا دون الحاجة الى تأشيرات دخول "فيزا"، وفوق ذلك ستة مليارات دولار للخزينة التركية كتعويضات مالية.
يتواجد حاليا حوالي ثلاثة ملايين لاجئ سوري على الاراضي التركية، ويمكن أن يتضاعف هذا الرقم في حال تخلي تركيا عن اتفاقها مع أوروبا، وسمحت بقدوم المزيد من حلب والرقة والموصل، ومثلما سمح الرئيس اردوغان باستخدام الأراضي التركية كممر للجهاديين المتوجهين الى سورية والعراق للقتال في صفوف "داعش"، و"جبهة النصرة"، ومئات الفصائل الأخرى، ومليارات الدولارات لتمويلهم وتسليحهم، فإنه الآن قد يعكس الآية ويسمح للمهاجرين وربما المسلحين، بالتوجه الى أوروبا.
ردود فعل الأوروبيين تجاه هذه التهديدات تبدو فاترة حتى الآن، فالسيدة انجيلا ميركل المستشارة الالمانية اعتبرتها بلا قيمة، بينما قالت فرنسا "ان التهديدات والمزيدات لا طائل منها".
من المفارقة أن تركيا عضو مؤسس في حلف "الناتو" الذي يضم معظم الدول الاوروبية الى جانب الولايات المتحدة الامريكية، ويشعر الرئيس التركي أن هذا الحلف خذله ولم يقف الى جانبه، أثناء توتر علاقات بلاده مع موسكو إثر إسقاط مقاتلاته طائرة سوخوي روسية قرب الحدود السورية، الى جانب دعم الحلف للاكراد، وانتقادات الاتحاد الأوروبي لحملة الاعتقالات الواسعة التي جرت في أعقاب الانقلاب العسكري الفاشل، وشملت 30 الفا ما زالوا قيد الاعتقال، علاوة على طرد أكثر من مئة الف موظف بتهمة التعاطف أو الانتماء الى "حركة الخدمة" التي يتزعمها فتح الله غولن الإسلامية المتهمة بدعم الانقلاب.
الامر المؤكد أن تهديدات اردوغان هذه أربكت الاتحاد الأوروبي وقيادته، للحساسية القصوى التي تتسم بها مسألة الهجرة بالنسبة اليهم، وربما نصب هذه التهديدات في خدمة الاحزاب اليمينية المتطرفة التي تتسم سياساتها بالعداء للاسلام والمسلمين، وتجد من فوز الرئيس اليميني العنصري دونالد ترامب الذي وصل الى هذا الفوز عبر المعاداة للاسلام والهجرة في الوقت نفسه، دعما ونموذجا، ومصدر تفاؤل بالفوز في الانتخابات، وفي فرنسا وألمانيا الوشيكة خاصة.
لا نعتقد أن الأوروبيين سيقفون مكتوفي الايدي في مواجهة هذه التهديدات الاردوغانية، ولا نستبعد أن يكونوا قد وضعوا خططا لمواجهة أي استخدام لورقة اللاجئين كسلاح ضدها، سواء بمنع هؤلاء من التسلل الى داخل حدود بلادهم، أو فرض عقوبات على تركيا، وربما يذهبوا الى ما هو أبعد من ذلك وهو دعم خصومها بالمال والسلاح، ونحن نتحدث هنا عن الاكراد، الأتراك أو السوريين.
الرئيس اردوغان يقاتل حاليا حزمة من الأعداء، وعلى العديد من الجبهات في الوقت نفسه، فهو يقاتل الاكراد في سورية، وشرق تركيا، ويتوغل في الأراضي السورية ويصطدم مع دمشق، ويخوض حربا ضد أخطر تنظيمين متهمين بالإرهاب، وهما "داعش" و"حزب العمال الكردستاني الانفصالي"، ويتحدى النظام العراقي، ولا يخفي أطماعه في الموصل، وعلاقاته التجارية والسياسية مع إيران في تراجع، والدولة الوحيدة التي يمكن القول إن علاقته جيدة معها في دول الجوار هي الاحتلال الإسرائيلي.
هل يستطيع الرئيس اردوغان أن يخوض كل هذه الحروب في الوقت نفسه وينتصر فيها، أو لا يخسرها؟ نشك في ذلك، فتركيا دولة قوية، ولكنها ليست دولة عظمى.
لا نعرف ماذا يخفي الرئيس اردوغان من حيل في أكمامه، يظهرها في اللحظة الأخيرة، ولكننا لا نستبعد إقدامه على المقامرة الأكبر في حياته السياسية، أي الخروج من حلف "الناتو"، والانضمام الى التحالف الروسي، فهل يفعلها، أم سيتراجع في نهاية المطاف مثلما تراجع عن الكثير من المواقف التي اعتقد البعض أنها استراتيجية وراسخة، وآخرها الصلح مع تل ابيب، وتقديم سلسلة من التنازلات للمصالحة مع صديقه القديم الجديد فلاديمير بوتين.
الرئيس اردوغان مثل النمر الجريح يخبط في جميع الاتجاهات.. ومحاط بالكثير من الأعداء الذين ينتظرون سقوطه.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=41578