وجهات نظر

باختصار: عندما يصبح " الوطن أولا " !

زهير ماجد


الإعلام تايم -الوطن العمانية
 

كان جبران خليل جبران يقول " أبناؤكم ليسوا لكم "، هو في الحقيقة يقصد أن الأبناء يتغيرون عن آبائهم في كل شيء تقريباً، من الأفكار إلى التطلعات إلى الثقافة إلى النظرة الإنسانية والأحاسيس المختلفة .. كأنما كان يريد القول أيضاً اتركوهم وشأنهم لا تقتربوا من تجربتهم كي لا تخربوها بقدميكم.

 

ولكن المجتمع لا يبنى الا بأفكار أصحاب التجارب، وهم الآباء، فماذا نفعل كي ننتفع بالخبرة وبالعقل الجديد الذي لا تجربة له في آن معاً.

 

في حدود الحالة العربية الراهنة المعقدة والصعبة، فإن الطرفين المشار إليهما عاجزين عن اللحاق بها إلى حد بعيد حتى وإن نجحا في تفسيرها كل من زاوية فهمه لها. لهذا تغيرت الحياة العربية ولم تتغير أفكارهما، بدلت الأحداث السريعة تصورات كانت قائمة مثل الانتماء، فصار الطرفان ينظران إليها نظرة شوفينية متعصبة بدل الانفتاح الذي ساد العلاقة مع العالم. صحيح أن الوطن أولاً كان دائماً من ثوابت العلاقة الفردية ببلده والعالم ، الا أنها اليوم اتخذت من العصبية الوطنية حقيقة وجودها. صار العراق أولاً، وسورية أولاً، وليبيا أيضاً، وكذلك اليمن، وكان الأردنيون قد قالوها منذ ما قبل الأحداث، وبطبيعة المصري فإن مصر بالنسبة اليه تتفوق على أي حس آخر، وكذلك الجزائري، (كادت مباراة كرم قدم بين مصر والجزائر أن تتحول الى حرب بينهما، وبالطبع كانت الوطنية أولاً هي الإثارة).

 

عندما يتهدد بلد ما حرباً مصيرية وجودية، يكون الحل عادة نهوضاً وطنياً على الفور .. يقف الآباء بخبراتهم والأبناء بسواعدهم ليقرروا كيف عليه الرد الحاسم الذي لا يترك شكوكاً في رؤية الطرفين وفي ردود أفعالهما. المؤكد أن الطرفين يقران بالموقف الموحد لكن كل من زاوية قدراته الفكرية، فيما تميل الدفة الى عنصر الأبناء لأنهم وحدهم من سيتحمل المعنى التنفيذي لفكرة النهوض وتبعاتها اللاحقة .. عندما يصبح " الوطن أولاً وأخيراً" .. وفي تراث الشعوب ما يؤكد ذلك. عندما ظهر نابليون بونابرت كتب الموسيقار بيتهوفن إحدى سيمفونياته إهداء له، لكن حين تمادى بونابرت في اكتساح العالم وشعر بيتهوفن أن بلاده مهددة منه أيضاً كتب سيمفونيته الأخرى بمعنى مختلف صور فيه نابليون على أنه سفاح وديكتاتور وقاتل .. وحين اجتاح هتلر روسيا التي كانت مهددة بحرب أهلية، سارع ستالين إلى ندائه الشهير أن دافعوا عن روسيا الأم وكان له ما أراد من هبة وطنية شاملة وقف فيها الآباء الى جانب الأبناء .. وفي فيتنام شبيه بذلك، بل في كل محطة واجهت حدثاً من هذا النوع.

 

العالم العربي إذن يعيش إرهاصات جديدة عليه ان يتماثل معها وهو يفعلها اليوم لأن الكل مهدد ومصير الوطن أسود قاتم إن لم تتوحد نظرتا الآباء والأبناء، ومعها جهدهما، فالخطر يتهدد الجميع، ومعنى هذا الخطر أنه وجودي يريد اجتثاث الجذور وسلب الأرض والعرض .. هي تجربة فريدة، فليست المسألة مجرد احتلال جيش فقط تبعاته الأساسية وجوده العسكري ، بل إن " داعش " ومشتقاته ، قوى احتلال أيضاً لكنه قادم من قلب المجتمع ، وهذا خطورته البنيوية، حاملاً أفكاره البديلة تماماً عن كل ما هو قائم وما تم إنجازه خلال مئات السنين ..

 

عندما تصل الأوطان الى هذا المصير يصبح أبناؤكم لكم وكل الوطن أبناء وآباء في وحدة لا انفكاك فيها.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=41506