وجهات نظر

سورية... سورية

نبيه البرجي


الاعلام تايم_الديار
هذه دولة أعطت روما ستة أباطرة، وهذه دولة أنتجت زنوبيا وأنتجت يوسف العظمة. على أرض دمشق ضريح صلاح الدين الايوبي ومقام محيي الدين بن عربي الذي جعل الله يتجول ثانية في اللغة العربية، لعله جعله يتجول، بعباءة الكون التي هي عباءة الازل، في حواري المدينة...
هنا النخبة التي في أصابعها اللآلئ والتي اذ نزح الكثير من أركانها الى لبنان، وكما قال لنا محمد الماغوط،  فلكي تزيد في... ثراء القمر!
هي الدولة التي يلامس فيها كل عربي ما وصفها أتوينبي بـ"جيوبوليتيكا الاحاسيس"، دولة لكل العرب، وتقطيع أوصالها تقطيع لأوصال كل العرب، هكذا فعل مارك سايكس وجورج بيكو. هنري غورو، الآتي بأنف مرفوع من معركة المارن، فعل أكثر من ذلك، أن تكون سورية أربع دول أو أكثر...
هل المسألة إسقاط النظام في سورية أم إسقاط الدولة في سورية حين يتم استجلاب عشرات آلاف المقاتلين من أقاصي الارض، ومن أقاصي الايديولوجيا، الى مدنها وقراها؟
أي بديل للنظام اذا كنا أمام نموذج أبي بكر البغدادي وأبي محمد الجولان، وبينهما كل أولئك الأفاكين  الذين إما يتلاعب بهم الاباطرة والسلاطين أو يتلاعب بهم شيوخ القبائل وشيوخ الطرق؟
الآن سورية، أزمتنا الكبرى، قضيتنا الكبرى مسرح للاستراتيجيات الكبرى وللاستراتيجيات الصغرى على السواء، على أرضها يفترض أن تحل كل الازمات، من اوكرانيا وحتى فلسطين، ومن الباسيفيك حتى "مضيق بيرنغ، ومن آسيا الوسطى حتى اوروبا الوسطى، ومن القوقاز حتى البلطيق"...
هكذا بالمال العربي، وبالمرؤة العربية، نوظف الدم السوري (الذي يهب هباء) أن في صياغة قواعد اللعبة أو في صياغة قواعد الاشتباك، ليس على مستوى الشرق الاوسط فحسب وإنما على مستوى الكرة الارضية.
مثلما لا مجال للرهان على "هلسنكي اخرى" بين الشرق والغرب لتكريس ثنائية القطب، بكل المعايير والآليات والمعادلات (وبكل مفاهيم البلقنة)، لا مجال للرهان على وقف الصراع بين السعودية وايران. هذا الذي يحمل الانكليزي ديفيد هيرست على التساؤل عن ذلك الشعب للرقص بين القبور...
سعوديون وإيرانيون، من سورية الى اليمن، ومن العراق الى لبنان، لسنا هنا في جيوبوليتيكا الاحاسيس وإنما في جيوبوليتيكا العدم. الا يبدو رجب طيب اردوغان، وقد تحوّل الى ديكتاتور القرن، وهو ينتظر مع بنيامين نتنياهو تفكك دول المنطقة، ومجتمعات المنطقة لإقامة الكوندومينيوم العثماني - العبراني، الذي فكر فيه البارون دوروتشيسلد قبل أن يتسلم الوعد الشهير من آرثر بلفور ولويد جورج؟
المشكلة أنه لا حل للمشكلة في سورية. الذين طرحوا الفيديرالية أو الكونفيديرالية لاحظوا أنها غير قابلة للتطبيق حتى على الورق لان أردوغان الذي يطالب حتى بدولة تركمانية في سورية (والعراق) سيواصل جهوده لابتلاع سورية كلها، على أن تقام الدولة الفلسطينية في منطقة بين سورية والعراق.
منذ البداية لم يكترث رجب طيب اردوغان بتحذير الصحافي الرائع جنكيز تشاندار الذي ابتعد منذ حين عن الكتابة من "ان تركيا قد تنفجر وتنفجر انت معها"، لان زمن السلطنة انتهى ولان التصدع الطائفي والاتني في تركيا قد يكون أكثر تعقيداً من أي تصديع مماثل في أي من بلدان الشرق الاوسط...
التجزئة تعني أيضا الحرب الابدية، لنتصور أي ايديولوجيات، وأي قيادات، يمكن أن تتحكم بالدول أو بالدويلات التي يتم تصنيعها. الفصائل تحولت الى عصابات للمرتزقة. سلاح ومال من كل حدب وصوب. أين الحرية، والعدالة، والديموقراطية في هذه الحال؟
نعلم ما هو الدور التركي (والاميركي) حين تم فتح ثغرة عند إحدى بوابات الموصل لكي ينتقل مقاتلو "داعش" من العراق الى سورية لتكون مقبرةأ للروس وللايرانيين وللسوريين بالدرجة الاولى، فهل يستطيع "الحشد الشعبي" بكل فوضوية، وبكل الشعارات التي يرفعها، أن يقلب المشهد وبالتالي يقطع الطريق على ذلك السيناريو الجهنمي.
وراء الضوء، أشياء هائلة تحدث الان. ماذا بعد الموصل؟ وماذا بعد الخليفة؟ حتى علامات الاستفهام، لم تعد صالحة للاستعمال. انظروا ماذا يحدث في حلب، هناك اختزال للمشهد الكبير وللمجهول الكبير...

 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=41191