وجهات نظر

باختصار : قال جدي وأبي وأنا

زهير ماجد


الإعلام تايم -الوطن العمانية


كلما كتبت جملة عن العثمانيين تذكرت جدي الذي طورد طوال أيام السلطنة العثمانية .. أمضى عمره هارباً بين لبنان وسورية وفلسطين، إلى أن رحل العثمانيون، فقد كان مطلوباً للسخرة أي الجندية،( ثم تحول الأمر عنده ثورة عليهم)، تلك الضريبة التي فرضت على العرب، وقد كان كل ذاهب إليها بلا عودة ..

 

كم حدثني وأنا طفل عن بطولاته ضد الجيش العثماني، وعما سمعه من والده وجده عن المرحلة ذاتها، كأنما التاريخ لم يتغير بالنسبة إليه، امتداد في الأحداث المتشابهة، معاملة سيئة لكل عربي، وصل إلى حد منع أبناء القرى والريف وحتى المدن من حيازة الشعير والقمح والحنطة وكل أنواع الحبوب والزيوت .. وكم وصف لي ذلك الجد الذي كنت انظر إليه كبطل من أبطال التاريخ باعتباره كان متمرداً على العثمانيين، جوع الأهالي وموتهم بالجملة.

 

ثم سمعت والدي الذي أخبرني عن حكم فرنسا في لبنان، كان شكلاً مختلفاً لكنه ظل استعمارا، فيه احتقار من الفرنسيين لبني البلاد، وفيه تعامل غير ودي ، وفيه قساوة في الحكم، وفي ما فيه من لعبة التمايز بين الطوائف. لكنه أيضاً لم يكن خالياً من الأحداث العاصفة وخصوصاً السياسية، فقد كان الفرنسي باضطهاده المستمر على ظنونه بأنه سيبقى إلى الأبد مستعمراً للبلاد كما فعل في الجزائر، محاولاً الفرنسة لكل شيء ، حتى أن بعض اللبنانيين تفرنسوا فعلاً فصاروا لا يتحدثون إلا باللغة الفرنسية وصارت عاداتهم تشبه عاداتهم ، حتى أنه كان لديهم نشيد معروف مطلعه " نحنا فرنسا منحبا " .. كان والدي قارىء تاريخ فكان يخبرنا أكثر عما حدث في العالم، وأدخل في فهمنا البسيط أن البشرية لم تخل يوماً من الأحداث البسيط منها والعنيف والمعقد.

 

تربينا على أفكار من هذا النوع فأحببنا التاريخ لأنه ذاكرة الزمن البشري، قرأنا ما استطعنا منه، لكن ما عشناه كان في حجم عنفه وأكثر .. فقد كانت السنوات التي تعاقبت مليئة بالأحداث التي لم تتوقف، وكنا كلما خرجنا من أزمة ندخل في أصعب منها، وما زلنا إلى اليوم على وتيرة واحدة، نمني النفس على هدوء ولو سنة فلا نجدها، صرنا مثل ديوجين نحمل مصباحاً نفتش فيه عن أمل فلا نصل إليه .. فالأحداث ولادة ، وسريعة الأداء، وكثير منا لم يفهم حتى الآن ماذا يجري وكيف وصلت الأمور إلى هذه الحال وكيف عليه النهايات التي ليس لها مكان حتى اللحظة.

 

لو تسنى لنا أن نستمع إلى أجداد من كل الأزمنة التي تعاقبت على البشرية، لسمعنا مقولة ترددت دائما أن الزمن الذي مضى أفضل من الحالي، مع أنه مليء بالعواصف، كما قرأنا وكما وصلت إلينا . ذهب الأجداد وذهب والدي وأنا الحق بهم ومن المؤكد أن الأحداث ستبقى والموت الناتج عن الصراع سيظل، بل الصراع لن يتوقف لأنه موجود في خلايا الإنسان لا يمكن وقفه إلا إذا استبدلنا الدم بالماء وهذا مالم يمكن أن يحصل كما يقول تولستوي.

 

بالنسبة لي ما عشته وما رأيته من أحداث لم يكن مفاجئاً، وما نعيشه اليوم من كوارث حدثية  ليس مفاجئاً أيضاً، إنها قصة الصراع على الأرض أبطاله البشر، وعنوانه كسر إرادات ومصالح وإثبات تفوق ..

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=40984