وجهات نظر

باختصار: حلب أكبر من معركة

زهير ماجد


الاعلام تايم_الوطن العمانية


إنها تجسيد لصراع قوي لقوى متعددة يسعى كل منها لأن يكون المنتصر في ما هو أوسع من حلب وأكبر منها، أي معركة سورية كلها وربما المنطقة أيضا. من هنا نفهم شكل المعارك التي تأخذ أحيانا بعدا انتحاريا كما فعل بالأمس المسلحون الإرهابيون الذين انتحروا من أجل أن يغيروا شكل الواقع القائم لكنهم فشلوا .
حلب تؤرخ وحدها معركة سورية بأكملها .. تصنع تلك المدينة الرائعة، الجميلة، التراثية بامتياز، فهما جديدا يتنبه إليه كل من يؤرخ للحرب على سورية، فلسوف يسجل في قراءته المتأنية، إنها تمكنت أن تجمع على أرضها كل القوى الطامعة بأن يكون لها شأن كبير إذا ما حقق انتصارا ما فيها.. ففي تلك المدينة العامرة، لن تمر بصمات الجيش العربي السوري مرور الكرام، بقدر ما تحقق معجزة الصمود لكل سوريا تقريبا ..
وبكل اعتقاد، فإنه إن سقطت تلك المدينة بيد الإرهاب، سيكون لها دوي كبير ترن أصداؤه في موسكو وفي اسطنبول وفي واشنطن وفي بعض عواصم العرب والعالم. إذ ليس بالإمكان تجاوز تلك المدينة بكل عناصرها القوية، فلقد تحولت من مدينة ثانية في سورية إلى أولى في قرار مصير الحرب، وصارت أولى في التحضير لإسقاط كل سورية إذا ما سقطت المدينة .. فهي بالتالي عالم متكامل من القدرة التي توفر لكل سورية مناعة الاستمرارية في الحرب إلى ما شاء الله، وفي يدها قوة صمود المدينة وما أهمه من صمود لها .
حلب إذن أكبر من معركة، إنها ميزان الحرب كلها منذ ابتدائها وحتى نهايتها في أي وقت أتت .. ولهذا يعمق الروسي دخوله فيها، ويقال إن روسيا تستعد لأم المعارك تلك بهجوم كاسح يغير شكل "الستاتيكو" القائم، لا بل قد يضع جدا للحرب فيها .. ويشاع أو ربما من باب الحقيقة، أن كثافة الوجود الروسي في البحر المتوسط ليس عبثا، وليس أيضا مجرد نزهة عبور إلى المياه الدافئة، بل هي تشكيل كبير وتهيئة للمعركة المنتظرة في تحرير المدينة، ويشاع أيضا أنها باتت قريبة جدا بحيث لا تتعدى اليوم الذي ستكون فيها أميركا كلها عند صناديق الاقتراع للرئيس الأميركي المقبل، بمعنى أنها ستكون مشغولة حتى أخمص روحها بواقع داخلي مصيري وخصوصا هذه الانتخابات بالذات لما هي عليه من صورة لأميركا المستقبل.. هذا إذا تناسينا تلك المناورات الروسية الجزائرية التي تجري والتي هي في بعض تفاصيلها تلحظ شكل الحرب في حلب .
إذا صحت تلك التوقعات، وجاءت المفاجآت الروسية على قدرها ورأينا الشكل الذي نتمناه، فنحن أمام تطورات دراماتيكية قد لا يقبلها الأميركي بعد الصحوة من انتخاباته ليرى نفسه مهزوما في معركة المصير التي يخوضها من أجل مصالحه ومن أجل جماعاته والمحسوبين عليه ومستقبل اللعبة في الشرق الأوسط أيضا. لكن سياسة الأمر الواقع قد تتحقق أحيانا ويرضخ فيها اللاعب إلى شطارة ومهارة وخيارات الطرف المقابل. فهل يفعلها الروسي وينهي العقدة التي ما زالت عالقة في حرب يجب فك تلك العقدة من أجل فكفكة العقد الأخرى، وبعدما باتت الضرورة لوضع جديد علي الساحة السورية تأخذ في الاعتبار ما يجب أن تكون عليه المتغيرات .

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=40949