وجهات نظر

باختصار: أصحاب المبادئ

زهير ماجد


الإعلام تايم - الوطن العمانية


ما أصعب أن تكون مبدئياً في هذه الأيام التي يغري فيها ألوان الدولار الأخضر. ثم أن صاحب المبادىء هو غيره عندما يصل السلطة أو إلى أي موقع نافذ في الدولة. أعرف كثيرين من هذا النوع، رفعوا شعارات براقة ، فإذا ما صاروا أبعد من رقم في احصائيات الدولة ، بدلوا من جلودهم وصار هاتفهم لأناس وأناس وعلاقاتهم تحت بند الانتقاء الذي تروق فيه مصالحه فقط.


 

ما يعزيني في هذه الخاطرة، معرفتي برئيس جمهورية لبنان ميشال عون صاحب المباديء المعروف الذي كان دائم التعريف بأفكاره ومبادئه، وكلما ازدادت الأيام تحدياً، نجده أكثر إصراراً على التمسك بها.


الآن هو في رأس هرم السلطة، رئيس للجمهورية من الباب العريض، وله شعبية لا تجارى، ورغم أنه غاب عن لبنان خمسة عشر عاماً الا أن الملفت قدرته على إنماء شعبيته تلك، وفيما كان يهبط من طائرته في مطار بيروت، كان النائب وليد جنبلاط يتوجس منه لأنه " تسونامي " شعبي كما سماه أي كثير الشعبية .. ويبدو أن لصدقه في مبادئه أثر في ذلك.

 

لاشك أن الرجل الأول في الحكم هو الأكثر توازناً في علاقاته، بل هو الحكم الذي تتعلم منه شعبيته الكثير من المواقف الصائبة .. لكن المؤكد أنه لن يتمسك بحرفية ما نادى به، هنالك موقعه الحساس، وهنالك أشكال وألوان من الناس الذي يحتاج كل منهم الى دراية بالتعامل معه، وهنالك أهل الحكم من مسؤولين لدى كل منهم تطلعاته وأسلوب عمله، وهنالك الوطن وكيف صيانته وحمايته وإقامة المشاريع له، بل هنالك العلاقات الخارجية التي تحتاج لمهارة في الاداء الدبلوماسي. وأحسب أن رئيسا كـ عون لابد، رغم مبادئه المعروفة، الا أن يأخذ بعين الاعتبار كل هذه المفاهيم .. فروما من فوق هي غيرها من تحت كما يقول المثل، وما يفعله الحكم في الرجال، أنه يأخذ ببعضهم إلى فكرة ميكيافيللي التي تقول بأن الغاية تبرر الوسيلة، وما أكثر من غايات الحاكم، وخصوصاً في بلاد كـ لبنان.

 

لقد تسنى لي التعرف على عشرات الأشخاص في بداية حياتي الذين حرضوني على حب الحياة من خلال أفكارهم المتمايزة المحشوة بالإنسانيات والمواقف التي لا غبار عليها، لكن هؤلاء خسرت أكثرهم حين صار لهم موقع ومسمى، بل إني وجدت من الضروري الابتعاد عنهم، فكل مسؤول في النهاية تذهب به الظنون عند كل اتصال به أن ثمة مطلباً ما وراءه.

 

صحيح أن الرجل كثير بإخوانه كما يقول الإمام علي، الا أن تلك الحكمة لا تنطبق تماماً على أكثر نخبنا، خصوصاً ضمن مفهوم الصداقة التي تحتاج أولا إلى فروسية من العادة أن لا تكون متوفرة عند كثيرين، وفي النهاية صديقك من صدقك لا من صدّقك كما يقال.

 

أصحاب المبادىء الحقيقية يتعبون كثيراً اذا ما التزموا بحرفيتها.. واذا كانوا صحيحي الالتزام، فإنهم سيتعبون أكثر إذا لم يلتزموا بها .. من الواضح أن المرء يرفع شعاراته المتعددة الأشكال عندما لا يكون هنالك مسؤوليات محددة مطالب بها. في روايات نجيب محفوظ نجد في بعضها نقدا واضحاً لهذه الشريحة الاجتماعية ، مع أنه يحمل أحياناً النظام ذلك.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=40855