وجهات نظر

طاولة لوزان أربعة مقابل أربعة

كمال خلف


الإعلام تايم - رأي اليوم


كان مقالي  الأخير هنا قبل أكثر من أسبوع وفي ذروة التشنج والمواقف النارية التي يطلقها كبار أقطاب الدبلوماسية في واشنطن وموسكو  كان المقال بعنوان (العودة إلى الطاولة قريباً)، لم يكن هذا الرأي وقتها نابعاً من قراءة الغيب وإنما لأنني كنت مقتنع وواثق بكلام أحد الدبلوماسيين المعنيين مباشرة في عواصم التصعيد  والمعروف بخبرته و دهائه السياسي، حينما أشار لي بإصبعه إلى الطاولة  أمامه وقال سيعودون (ويقصد الأمريكيين) إلى هنا لأن ليس أمامهم من خيار إلا الجلوس أو الذهاب بمراهنات ودهاليز مجهولة النتائج ولا أظنهم مجانين.

تعقد بالفعل اليوم طاولة لوزان ويجلس عليها الأطراف المعنيين مباشرة بالأزمة السورية وبأزمات اخرى في منطقتنا على المستويين الإقليمي والدولي، سيجلس أربعة مقابل أربعة، أمريكا ومعها تركيا قطر والسعودية مقابل وروسيا وإلى جوارها إيران مصر والعراق، ليس ثمة خطوط مقطوعة بين هذين الفريقين خلا القطيعة الذي وصلت حد العداء بين الرياض وطهران، ولكن لكل فريق رؤية مختلفة لما يجري في سورية وكل فريق يدعم طرفاً في الحرب الدائرة، بالموقف أو بالسلاح، مباشرة بالانخراط المباشر أو بالوكالة.

في الأيام التي سبقت عقد هذا الاجتماع جرت مشاورات كثيفة بين هذه العواصم، السعودية وافقت مباشرة ودون اعتراض على الوجود الإيراني كما العادة، التقط الإيراني هذا الموقف السعودي، وأجرى مباشرة عملية تقدير موقف سريع لأحداث المنطقة وجد في نتائجها أن لا مصلحة له في الحضور وإعطاء السعودية طوق نجاة في اللحظة التي يرى فيها الإيرانيون أن الرياض في موقف عسكري وسياسي صعب ، فصواريخ أنصار الله وصلت إلى الطائف، وعلى الحدود الشمالية تتساقط المواقع السعودية في نجران وجيزان وعسير، في وقت تقدمت فيه المواقف الدولية التي تدين الحرب السعودية في اليمن بعد مجزرة قاعة العزاء في صنعاء، وأخذ التباين السعودي المصري يطفو على السطح وينتج تباعداً بين الطرفين.

من ناحية ثانية لا تريد طهران ودمشق معها أن يوقف النار لأي سبب على جبهة حلب الشرقية إذ بات حسب تقديراتهم العسكرية الحسم في متناول اليد، والجلوس إلى أي طاولة يجب أن يكون بعد إخراج حلب من الصراع وليس قبله، لهذه الأسباب وغيرها رفضت طهران الحضور أبلغت بذلك موسكو التي بدورها ضغطت وقدمت معطيات للجانب الإيراني تفيد بمصلحة موسكو بالعودة إلى الطاولة الآن، دفعت طهران بمطلب بديل وهو حضور سوريا الاجتماع، سارعت كل من الرياض وقطر إلى رفض هذا المطلب بحجة أن الاجتماع سوف يبحث أزمات أخرى هذا سيفتح باب دعوة كلاً من المعارضة السورية وأنصار الله وعبد ربه منصور هادي وغيرهم، واشنطن أبلغت موسكو أن اجتماع لوزان اذا ما أحدث خرقاً جدياً فإن هذا سيفتح على اجتماعات للأطراف المعنية، دفعت طهران بحجتها أن الاجتماع غير متكافئ إذ تحضره أربع دول لها رؤية ومواقف متقاربة تقابلها دولتان فقط من الطرف الآخر، هنا تم اقتراح أن تحضر العراق ومصر لتحقيق نوع من التوازن، وافقت طهران ليلاً على حضور اجتماع  أربعة مقابل أربعة وتم الإعلان من طهران عن حضور العراق ومصر.

سيسعى الأطراف الثمانية في الاجتماع إلى بلورة وثيقة مبادئ استبعد أن يتم الإفصاح عنها كلها إذ نجح الاجتماع، الذي يمتاز بأنه سيضع كل الملفات على الطاولة، ابتداء من الحرب في سورية مرورا بمثيلتها في اليمن، وأزمة الوجود العسكري التركي في العراق، والخلاف السعودي الإيراني وسبل تخفيف التوتر بينهما، كما استبعد أن تتخلى قطر وتركيا معها عن جبهة فتح الشام النصرة المدعومة مباشرة من الدوحة عبر تركيا، وستطرحان اشراكها بالتسوية الميدانية  بضمانة الدوحة التي قدمتها سابقا للجانب الامريكي أكثر من مرة أو تأجيل البت بوضع الجبهة  إلى حين الانتهاء من "داعش"، لن تتخلى كذلك طهران وموسكو عن الرئيس الأسد، بينما ستطرح الرياض شروطها للقبول، وليس من السهولة أن تتخلى طهران عن إخراج حلب من الصراع بعد أن أصبح الإنجاز قريباً، الحرب في اليمن ستكون أخف تعقيداً وثقلاً من الملف السوري، المسألة ستكون بين الرياض وطهران حصراً وستكون الأطراف الأخرى مشاركة بالاقتراحات والأفكار لن يكون بتقديرنا ثمة إنجاز على مستو الحلول المباشرة على الأرض إنما ما يمكن الوصول إليه هو إجراءات تمهيدية يستطيع الطرفان القيام بها لتسهيل الوصول إلى تسوية يمنية، أما في العراق الملف الأكثر سهولة سيسعى الأتراك إلى التمهيد  لبلورة اتفاق مع الحكومة العراقية يضمن بقاء قواتهم في معسكر بعشيقة والمشاركة في تحرير الموصل، هذا طبعا سيتوقف على الضمانات التي سيقدمها الأتراك للحكومة العراقية ومنها تحديد تاريخ لمغادرة الأراضي العراقية ضمن الاتفاق.
لا شك في أن الطرفين الروسي والأمريكي سيكونان أكثر مرونة من الأطراف الإقليمية المشاركة التي ستحمل كل ما قلبها وجعبتها من اتهامات وأدلة على تورط الطرف الآخر، وستعتمد على تصلب المواقف والمراهنة على القوة العسكرية وما لديهم في ميادين القتال، فهذه الأزمات وتعقيداتها وحروبها لن تحل باجتماع واحد، لكن مجرد عقد مثل هذا الاجتماع هو خطوة بالاتجاه الصحيح، نختلف مع من يصور هذا الاجتماع بأنه اجتماع الفرصة الأخيرة قبل  الحرب الطاحنة، وأن كان يبدو كذلك، بدلا من ذلك نذهب الى أنه اجتماع البداية لعمل مشترك قد ينقذ المنطقة برمتها من أتون هذا الجحيم الدموي الذي يطحن شعوب هذه المنطقة وحتى إن فشل لا نرى حتى الآن إلا  خيار الطاولة ولا حرب عالمية في الأفق.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=40290